المتابع لأحداث الشارع العراقي، في الواقع وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، يدرك وبسهولة حجم الزيف والتشويه الذي طال المشهد العراقي عموما، سياسيا وامنيا، وقد لجأ البعض الى انشاء صفحات خاصة وربما بأسماء وهمية، لنشر صورا او مقاطع فديو تسيء للإنسان العراقي وللبلد، بعض هذه الصفحات هدفها الأول هو ارباك الموقف العام، وتشتيت التركيز على حدث بعينه، وبالتالي انعدام الرؤيا !، بيت الاعلام العراقي نشر تقريرا حول هذا الموضوع تحت عنوان( الجيوش الالكترونية على صفحات الفيس بوك)، استعرض فيه طبيعة هذه الصفحات ومن يدعمها، ومن يقف خلف المشرفين على تلك الصفحات، التي ركزت على خطاب الكراهية في طروحاتها، ننشر لقرائنا ومتابعينا هذا التقرير لأهميته ولخطورة الموقف فيما لو استمرت هذه الصفحات بنشر فديوات وصور تحث على الكراهية.
بيت الاعلام العراقي حاول أن يكون موجها عبر اقتراحات وتوصيات خرج بها من هذه الدراتسة تتعلق بالمؤسسات الحكومية والرسمية وكيف يمكن تطبيق مبدأ حق الحصول على العلومة، مبينا دور وسائل الاعلام في تغطية الاحداث من خلال اعتمادها على المعلومة الصحيحة المدعومة بوثائق، مركزا أيضا على ثقافة التعامل المهني مع المحتوى الرقمي عبر توفير خبرات للجمهور في كيفية التعاطي مع الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المتداولة، وتبيان مخاطر المنشورات الكاذبة على الأمن والسلم الاجتماعي.
“الجيوش الإلكترونية”… أخبار مفبركة تجتاح “فيسبوك”
بيت الإعلام العراقي
يرصد بيت الإعلام في تقريره التاسع والعشرون ما بات يعرف بين الأوساط السياسية والشعبية بــ “الجيوش الإلكترونية” على صفحات “فيسبوك” الموقع الافتراضي الأكثر شعبية بين العراقيين، وتنشر عشرات الصفحات أخبارا مفبركة وتعليقات متهكمة عبر محترفين وخبراء في الصحافة والمونتاج، وأصبحت هذه الأخبار عاملا كبيرا في توجيه الرأي العام، كما أن وسائل إعلام تستعير بعض هذه الأخبار وتقدمها للجمهور برغم افتقارها المعايير المهنية.
ويشمل التقرير رصدا لعينة واسعة شملت نحو (30) صفحة على “فيسبوك” وكان معيار الاختيار خاضع بأنها ممولة عبر إعلانات مدفوعة تم توثيقها، ولاحظ مستخدمو مواقع التواصل كثرة انتشارها في الآونة الأخيرة وحصلت على الألاف من المتابعين خلال أيام قليلة، وغالبا ما يشمل الإعلان الممول لهذه الصفحات أخبار معينة تتضمن أخبارا وتقاريرا ورسائل سياسية.
وسجل راصدو “بيت الإعلام” أن محتوى كبيرا من الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المنشورة على هذه الصفحات يتضمن خطاب كراهية، إذ أن غالبية الصفحات تبدو جهوية باستهداف كتل وأحزاب ومكونات وطوائف وقوميات وفئات اجتماعية بعينها حتى بدأت تشكّل ظاهرة خطيرة في توجيه الرأي العام الجمعي الذي يعتمد على مواقع التواصل للحصول على المعلومة المثيرة بدلا من وسائل الإعلام التقليدية بأنواعها المرئي والمطبوع.
ويتضمن التقرير رصدا دقيقا وموثقا بالصور لتاريخ انشاء الصفحات وتعريفاتها وعدد متابعيها مع عينة من منشورات هذه الصفحات يحتوي أيضا على عدد المتفاعلين من الجمهور بالإعجاب والتعليقات والمشاركة على الصفحات الشخصية لتسليط الضوء على سرعة وحجم انتشار هذه الأخبار بين العراقيين على مواقع التواصل.
ويلفت “بيت الاعلام العراقي” ابتداء أن الرصد ارتكز على عينة شاملة لصفحات تعرف شعبيا بـ “الجيوش الإلكترونية”، عبر استعراض وتحليل محتواها دون إطلاق أحكام عن أسباب وأهداف والجهات التي تقف ورائها وطبيعة الأخبار والتقارير والمقالات، وإنما يركز على الجانب المهني وانعكاسات غيابه على وسائل الإعلام المحلية العراقية والسلم والأمن المجتمعيين.
وخرج تقرير الرصد بالنتائج الاتية:
1- لاحظ راصدو بيت الإعلام أن الأخبار المنشورة على أغلب الصفحات محور الرصد جرى كتابتها وتحريرها بطريقة محترفة لغويا ولكنها تفتقر الى المهنية عبر تبني صياغة تهجمية او تهكمية ضد أحزاب وشخصيات وفئات اجتماعية، عبر استخدام عبارات كراهية مباشرة مثل “حثالات”، “عهر”، “حمقى”، “غدر”، “جبان”، “خائن”.
2- تنشر الصفحات الكثير مما تسميه ملفات فساد إداري ومالي غير مطروقة في وسائل الإعلام التقليدية، على أن تقديم الملفات مع “إعلان ممول” للوصول الى أكبر قدر من الجمهور يخلو من الوثائق والبراهين، بينما تقوم صفحات أخرى بمونتاج كتب رسمية لوزارات وهيئات رسمية عبر برامج الفوتو شوب لإضفاء نوع من الصدقية على الأخبار. وغالبا ما تحصل هذه المنشورات على تفاعل واسع من الجمهور الذي يصدق هذه الروايات ويبني عليها مواقفه.
3- سجّل راصدو بيت الاعلام أن هذه الصفحات تُنشط منشوراتها بشكل مكثف أوقات الأزمات والمناسبات والحوادث على الصعيد الوطني مثل التفجيرات وحالات الخطف وزيارة مسؤولين الى البلد، ويكون فحوى المنشورات التهجم اللفظي ضد سياسيين عبر جبهتين أو أكثر تسعى لتحميل الطرف الآخر أسباب الأزمات، والأكثر قلقا استغلال هذه الحوادث لتضخيمها، مثلا عبر نشر عشرات الصور على أنها لقتلى في تفجيرات يتبين لاحقا أنها صور قديمة، أو سرد روايات عن سياسيين وربطها بالحوادث.
4- إن بعض الصفحات محور الرصد لها امتدادات الى أكثر من موقع تواصل وأبرزها “تويتر” و”يوتيوب”، وتقوم قنوات اليوتيوب بإعادة نشر مقاطع فيديو تتضمن تصريحات مثيرة لسياسيين بعد منتجتها ونشر الجزء المتعلق بالتصريح المثير أو اجتزاء التصريح، وهو ما يزيد من انتشار التصريحات المثيرة التي تكرس الكراهية بين فئات المجتمع، وكان “بيت الاعلام العراقي” أصدر تقريرا كبيرا حول هذه التصريحات صدر على جزأين تحت اسم “فرسان الكراهية”.
5- تستخدم بعض الصفحات أسماء لوكالات إخبارية أو صحف معروفة لجلب الانتباه، أو تقديم نفسها على أنها وكالة إخبارية، فيما تعمد صفحات أخرى لجذب الجمهور عبر صور إعلاميات وفنانات عراقيات، ولاحظ راصدو بيت الإعلام أن نسبة من أكثر الصفحات انتشارا تستعين بمنشورات عامة غير سياسية مثل مقاطع فيديو وأخبار عن انتصارات قوات الجيش العراقي والمنتخبات الوطنية الرياضية ومن خلالها تقوم بنشر أخبار جهوية.
6- تتبنى بعض الصفحات قضية بعينها وترتكز منشوراتها على دعم القضية عبر أخبار واشاعات، ويعرّف القائمون على صفحات أنفسهم على أنهم شريحة من موظفي وزارات وهيئات حكومية، وتستهدف منشوراتهم مسؤولين في الدولة.
7- وثّق راصدو “بيت الاعلام” بعض الصفحات تأسست منذ أسابيع وحصلت على آلاف المتابعين عبر “الإعلان الممول” برغم عدم نشرها أي منشور، ويبدو أن هذه الصفحات يجري الإعداد لإطلاقها في مناسبات مستقبلية.
8- تنتحل صفحات بعض أسماء أحزاب وكتل سياسية معروفة، وتبين بعد الرصد أن فحوى منشوراتها تهاجم هذه الأحزاب وأعضائها دون معرفة جهوية هذه الصفحات.
9- لاحظ راصدو بيت الإعلام أن حرب كلامية مشتعلة بين هذه الصفحات، إذ أن منشورا في صفحة ما غالبا ما يتبعه ردود من صفحات أخرى على نفس الخبر، بل أن الحرب وصلت الى اتهام متقابل حول تشكيل الجيوش الإلكترونية، ومثلا فإن إحدى الصفحات نشرت ما قالت إنه هيكل عمل “الجيوش الإلكترونية” لسياسيين، يتضمن حتى أسماء وصور أشخاص تقول بأنهم المشرفين على هذه الجيوش.
توصــــــــــيات:
1- على المؤسسات الحكومية والرسمية تطبيق مبدأ حق الحصول على المعلومة للإعلام والجمهور من أجل تحقيق أكبر قدر من الشفافية في القضايا الوطنية الكبيرة، إذ أن غياب الشفافية وامتناع المسؤولين عن التعليق أحد أبرز عوامل انتشار الإشاعات والأخبار المفبركة حول هذه القضايا، ولغياب الموقف الرسمي الصريح فإن الجمهور يميل إلى تصديق ما ينشر على مواقع التواصل، وهذا الأمر ينعكس على المسؤولين أنفسهم الذين يضطرون الى التعليق لاحقا على الشائعات بعد فوات الأوان، إذ أن الشائعات والأخبار الكاذبة وصلت الى جمهور واسع عبر مواقع التواصل بفضل “الإعلان الممول”.
2- على وسائل الإعلام إيلاء الجانب المهني أولوية قصوى في تغطية الأزمات الكبيرة، خصوصا تلك المتعلقة بمصير أفراد وجماعات ومؤسسات وفئات اجتماعية، عبر اعتماد معلومات حقيقية مستندة على وثائق وتصريحات واردة من أصحاب العلاقة، وعدم استخدام مواقع التواصل الاجتماعي مصدرا أساسا للتغطيات الإعلامية، مع التأكيد على أن محاولة وسائل إعلام إخلاء مسؤوليتها عما تنشره بالإشارة إلى أن مصدرها مواقع التواصل، لا يخلي مسؤوليتها المهنية والقانونية من تحمّل تبعات أخبار كاذبة وحملات تحريضية تسهم في تعميق الشرخ المجتمعي.
3- إشاعة ثقافة التعامل المهني مع المحتوى الرقمي عبر توفير خبرات للجمهور في كيفية التعاطي مع الأخبار والصور ومقاطع الفيديو المتداولة، وتبيان مخاطر المنشورات الكاذبة على الأمن والسلم الاجتماعي، وتشجيع ظاهرة صحافة المواطن لتمكين أكبر قدر من الجمهور من الوصول بجهد شخصي إلى المعلومات الدقيقة بشأن أحداث لافتة بدلا من لجؤه إلى مواقع التواصل وصولا للمعلومة، ويتم ذلك عبر تشجيع استراتيجية استخدام الإعلام الاجتماعي والتدوين.