اسماعيل زاير
أشرقت الشمس على الموصل من جديد.. وقرعت الأجراس في الكنائس وارتفع الآذان ونامت الطفولة بعد أشهر من القلق والرعب.. على المتاريس وفي الزوايا الضيقة للأحياء القديمة حيث لاذ الدواعش كالجرذان يتنقلون من مخبأ الى آخر حتى أطبقت عليهم قبضة أسود العراق المحكمة..
في المقرات المتقدمة ما عاد القادة يقلقون ويخططون بل إنها أول إشراقة شمس عليهم بعد هزيمة عدو الشعب.. نام الجنود والضباط نوماً هنيئاً والابتسامات تملاً وجوههم. الداعشيون فقدوا كل شيء وأفضلهم ابتلعته مياه دجلة وقذفت بهم الى الشواطئ البعيدة.. بينما لاقى غيرهم أبطال العراق الذين وجههوا لهم رصاصات الحق التي أجابت رصاصات الغدر والخسة والظلام..
لقد ضاقت الأرض بهم بما رحبت وانتهت دورة الزمن بهم يتقافزون بين الخرائب والعراقيون خلفهم لم يتركوا لهم متنفساً وما ارتدوا عن صولاتهم.. كان أبطالنا يحلمون بمجد المحررين المقدسين عندما قاتلوا بيد وأنقذوا الرهائن باليد الأخرى.. عندما تقاسموا مع الطفل المرعوب والجائع ومع العجوز المقعدة التي عزّ عليها الدواء والماء، ومع المرأة التي تطرز بخطها الشجاع طريق المغامرة بعيداً عن داعش. كان الطفل يتمسك بعباءة أمه أو جدته أو أخيه محمولاً الى البعيد عن سفاحي الظلام الداعشي..
وصدقت نبوءة الفنانين الذين غنّوا أن لا مكان لأعداء العراق على الأرض بل تحتها.. هكذا عاش أكثر خلق الله قسوة وذباحو وحارقو البشر تحت أرض الأشبار الأخيرة من حي الشهوان لا نور ولا شمس ولا أحد يشفع لهم أو يعطف عليهم.. أما حلفاؤهم من أشاوس صدام الذين راهنوا على ليّ يد العراقيين وإهانتهم فقد صمتوا صمت الموتى ولم يعد لديهم من يصفق لهم أو يساعدهم أو يبرر لهم أو يأمل منهم.
أشرقت الشمس التي كانت مثل عروسة تحرس الكون والكائنات وغمرت بنورها بقاع نينوى العزيزة التي أثبت العراقيون والشرفاء من أبنائها أنهم يحفظونها بمهج قلوبهم ويعطون دماءهم قرباناً لحريتها.. هناك أغمض ابن العمارة والبصرة وكربلاء والديوانية والسماوة والناصرية والكوت والنجف وبقية حواضن العراق عينيه الى الأبد ليعبر من خلاله رفقاؤه الشجعان ويواصلوا المعركة..
أشرقت الشمس على جبين الضباط والقادة الجدد الذين سيدخلون التأريخ بعد أن تغلبوا وصرعوا ذلك الوحش المخيف بالتخطيط والإدراك والابتكار والمطاولة وقادوا جنودهم من نصر الى آخر.. انتصاراتهم لا تعد ولا تحصى وبعد أن أدركوا جيداً أن العالم كله يتطلع إليهم لم يتراجعوا في معركة واحدة، وهم بذلك أكدوا للعالم أن سمعة القادة العراقيين تبقى في الأعالي لا يدانيها خلل أو تلوث..
أشرقت الشمس على أبناء الوحدات العسكرية المختلفة وهم يتطلعون الى ميادين المعارك التي سطروا على أديمها بطولات وبطولات وتحولت أحلامهم نحو لقاء أمهاتهم وزوجاتهم وحبيباتهم اللواتي انتظرن عودتهم ظافرين.. بالتأكيد سيعودون ظافرين تكلل هاماتهم أكاليل الغار وحب شعبي غامر وحضن عراقي دافئ. انتصارهم كان انتصار لشعبهم ومرجعيتهم وأهلهم وتضحياتهم هي تضحيات شعب صبّ منها رصيداً لا ينتهي ومنها رسموا بماء الذهب كل ملمح أو بسمة أو صرخة ألم أو إغفاءة جريح يسقي بدمه الطاهر أرض العراق.. أرض العمالقة الحقيقيين.
إشرقت الشمس من جديد في مدن العراق وهي تردد كلمات قائد أعلى طرّز بحكمته وصبره ومتابعته حروف المجد الكبير.. هذا المجد الذي أعطاه لكل المناضلين بشتى أصنافهم.. ابتداءً من قوّات مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي الذي لبّى النداء الكبير للمرجع السيستاني واندفع يذود عن أرض البلد فور أن طلبت منه مرجعيته ذلك..
اليوم نستريح تحت ظل ونور شمس النصر ولكننا عازمون على ملاحقة القتلة في تلعفر والحويجة وراوه وعنه وكل أرض لا يزال داعش الخراب يحتلها..
يحق لنا أن نحتفل، ويحق لنا أن نفخر ونعود الى رفع رؤوسنا كما كنا قبل هزيمة داعش وما عاد بوسع أحد أن يقول شيئاً مزرياً عنا فالنصر أكبر من كل الشموس والهتاف العارم اليوم: عاش العراق.. عاش شعب العراق..