قحطان جاسم
أولى سورن كيرككورد اهمية كبيرة لموضوعة الصمت. وهي بالنسبة اليه ليست مقولة فلسفية فحسب، تحتل مكانا مهما في الفكر الإنساني، بل وايضا مرآة لكشف أعماق الانسان وعرض سايكولوجيته. وهنا واحدة من المقاطع التي كتبها عن الصمت :
” في الاوضاع التي يجعلني صمتي فيها ابدو اسوأ مما انا، علي ان اكون صامتا ، مثلا ، تقديم الصدقة في السر. وحيثما يجعلني صمتي ابدو افضل مما انا ، فان علي ان اتحدث- الاعتراف بالخطيئة.
الخير الذي يتمكن الانسان القيام به، عليه إن أمكن، ان يبقيه مع نفسه؛ اما الشر الذي ارتكبه فيتوجب عليه ان يصرح به” ( سورن كيرككورد، الاعمال الكاملة ، المجلد 22، ص. 246)
في هذين المثالين، إذ يتلاعب كيرككورد بالكلمات، يشير في المثال الأول الى الصدقة ، فعندما تعطي الصدقة بصمت، أي في السر، فقد تبدو للاخرين سيئا، لأن لا احد يعرف عن ذلك، لكن الصدقة ليست دليلا على إنسانية الانسان او علامة على كرمه لكي يتبجح بها، ولهذا عليه طبقا لكيرككورد عند منحها ان يلتزم الصمت، لان صمته يجعله يشعر بانه في بوحه عن الصدقة والاعلان عنها أسوأ حالا مما يعتقد .. . اما حين يرتكب اثما ، فرغم ان الصمت، حسب اعتقاد الانسان، الذي يرتكب ذنبا واثما ، يجعله يبدو في الواقع في حال افضل وقابل للعيش ، لأنه قد يخفي سمعته السيئة في السر، ولا يكشف عن سوءاته ، لو صرح بذلك ، ويبدو ، خلاف ذلك نبيلا، للآخرين على الأقل في الظاهر، فعليه ان يفعل عكس ذلك ،أي ،أن لا يبقى صامتا، بل ان صمته يدفعه لكي يتحدث عن شروره وآثامه لكي يتحرر منها.
و ينبغي، بناء عليه، عمل الخير بصمت وسرية، اما ارتكاب الشر فينبغي عدم السكوت عنه والسعي للإعلان عنه للتحرر من عبئه، والعيش بصدق ودون خديعة وزيف.
الصمت لهذا، يقول كيرككورد: يساعد الانسان ان يحب نفسه وان يتصل بالله، لأن الله ، كما يقول كيرككورد “يحب الصمت”.