خوش دولة وخوش قانون

تناقلت وسائل الإعلام تصريحات لممثل كتلة (دولة القانون) في مجلس محافظة بغداد والنائب السابق في مجلس النواب السيد سعد المطلبي؛ يهدد فيها سكان بغداد من القومية الكردية بالويل والثبور وعظائم الأمور، في حالة حصول الاستفتاء على استقلال إقليم كردستان عن العراق. ما نضح عن ذلك التصريح يشير بوضوح الى عمق محنتنا مع مثل هذه الشخصيات التي قذفتها الصدفة على سنام المفاصل الحيوية للدولة العراقية. وهذا ما حذّرنا منه في الكثير من كتاباتنا ونشاطاتنا الإعلامية الأخرى، إذ يلتقي الشوفينيون والطائفيون من شتى المتاريس المتنازعة، في مهمة بث الفرقة وتسميم الأجواء ونسف ما تبقى من جسور الثقة وروح التعايش بين سكان هذا الوطن المنكوب. في مقال سابق حذّرت من استفحال التوجهات الشوفينية والفئوية الضيقة، التي تتوهم سبيل الوصول للأهداف المشروعة بحق تقرير المصير؛ عبر الإساءة للآخر المختلف قومياً ودينياً وعقائدياً، وعلى أهمية تعزيز المناخات الديمقراطية ومؤسساتها، بوصفها الضامن الوحيد والمجرب لتحويل تلك التطلعات الى واقع.
مثل تلك التصريحات تقدم أفضل خدمة ممكنة للشوفينين المرابطين على الخندق الآخر، من الذين يروجون من دون كلل وملل؛ على أن حكام بغداد الجدد لا يختلفون كثيراً عن أسلافهم الذين استأصلهم المشرط الخارجي ربيع العام 2003. ممثلي “الهويات القاتلة” وبغض النظر عن التسميات والواجهات والمساحيق التي يخفون بها ملامحهم الحقيقية، في بغداد وأربيل والسليمانية وغيرها من مدن ومناطق العراق، قد ألحقوا أفدح الأضرار بما يفترض أنه مرحلة للعدالة الانتقالية، أتاحتها الأقدار العابرة للمحيطات لشعوب هذه الأرض التي شهدت أبشع الجرائم والانتهاكات بحق البشر. المصيبة أن عضو المجلس المذكور، هو ممثل لكتلة اسمها (دولة القانون) أي أنها وجدت من أجل تأسيس دولة مؤسسات يسود فيها القانون الذي لا يميز بين سكان العراق من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء، لا أن يظهر على الملأ بوصفه ممثلاً لنسخة جديدة تجمع بين الطائفية والشوفينية بأكثر تجلياتها رثاثة. كيف وصل به الأمر على تهديد من تعرّض الى أشد الجرائم والانتهاكات زمن النظام المباد (الكورد الفيليين) والذي سن البرلمان العراقي قانوناً خاصاً بمحنتهم والجرائم التي ارتكبت ضدهم بوصفها جريمة إبادة ضد الجنس البشري (جينوسايد)، وتعيد الى ذاكرتهم كل الفضائع والمآسي التي عاشوها زمن النظام المباد. ونحن على أعتاب مرحلة لإعادة بناء ما خلفته عصابات داعش وفلول النظام المباد، مرحلة نعيد بها ترميم كل ذلك الحطام والركام الذي نتج عن عقائد وخطابات الكراهة والعداء للآخر المختلف، وإذا بأحد نجوم أكبر كتلة في مجلس محافظة بغداد (منها المحافظ الحالي) يفاجئنا بمواقف وآراء صادمة، لا تعير اي اهتمام لا لما جاء في الدستور من حقوق وحسب بل لكل هذه المحطات المريرة التي عشناها جميعاً (عربا وكوردا وتركمانا وبقية شعوب هذا الوطن القديم) برفقة السياسات الشوفينية والاستئصالية، التي تقف خلف كل هذا الحضيض الذي انحدرنا إليه. نحتاج الى غير ما جاء من كلام إنشائي ومدح متبادل، بين السيد المالكي والشيخ النعماني والوفد الذي رافقه لطرح التداعيات الخطيرة لمثل تلك التصريحات العدوانية، لأن الإصرار على منهج اللفلفة والطمطة والتسويف لن يفضي لغير المزيد من التجاوزات والانتهاكات والاستباحات لحقنا في العيش كبقية سلالات بني آدم التي وصلت لسن التكليف الحضاري؛ عبر امتلاك دولة القانون الحقيقية لا المزيفة..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة