عرش الشعر!

بشعور لا يذهب بعيدا عن الصدمة تلقيت سؤالا من عيار : من يتربع على عرش الشعر الان ؟ كان ذلك أثناء تسجيل حوار تلفازي معي قبل أيام و يبدو ان المحاور سبق أن طرح السؤال ذاته على ضيوف قبلي أجاب بعضهم إجابات نرجسية تصبو الى مركزة الذات أو طرحها بوصفها هي القمة التي لا تطال ! بالتأكيد أن مثل هذه الاجابات سهلة و مرتجلة لا تحتاج قوة تركيز ولا مداولة مع الذات لتقديم إجابة موضوعية أو مساءلة السؤال ذاته : هل للشعر عرش ؟ هل للشعراء مملكة كما يوحي السؤال؟ أظن ان هكذا أسئلة مشحونة بحمولة إعلامية هدفها الاستفزاز و الإثارة ايضا لتبقى المعضلة في الجواب الذي عليه أن يتجاوز فخ الإثارة الاعلامية بما يكفي من النجاح و التوازن و لذا كان عليّ ان أقرر الجواب التالي : لم يعد الشعر اليوم نمطا واحدا و بالتالي لا توجد معايير نهائية كي نشخص من خلالها الشاعر ( الفحل ) كما جرى الأقدمون على تسميته، الشعر اليوم و بفضل حداثة فكرة الشعر صار مساحات و أجواء، اشتغالات و بصمات ، لكل شاعر مبدع مساحته التي اجتهد طيلة تجربته كي يجعل منها علامة فارقة، وفي العراق اليوم تتعدد هذه العلامات و تتنوع لذا فان الحديث عن عرش يتربع عليه شاعر ما يعد اختزالا لمشهد لا يحتمل مثل هذا الاختزال، كل شاعر مبدع ( فحل ) مساحته و اشتغاله، ( أمير ) تجربته و قمة أفقه الذي نحته بكده الشعري طيلة سنوات و عبر كتب عدة أصدرها .. الأمر لا يذهب بعيدا عن المسابقات الشعرية التي تتوّج الفائزين بألقاب من هذا النوع ( شاعر العرب ) أو ( شاعر المليون ) أو ما شابه من توصيفات مثيرة إعلاميا بل و مغرية احيانا للتجارب الناشئة لكنها تفتقر للمضمون الفني او النقدي الذي نحن بصدده.
هذه واحدة من استثمارات الاعلام لفن الشعر الذي يراد له أن يدخل فضاء (الموضة) و الإثارة السريعة وهو بهذا يخسر أعمق وظائفه في التأمل و تعميق إنسانية الانسان التي ساهم التسطيح و ثقافة السوق في هدرها .. الشعراء الحقيقيون ليسوا خيول رهان ولا فوز في حياتهم أكثر من تمثيل تجاربهم عبر النص، لا ظفر أهم من تحقيق الذات باستخدام اللغة لا بقصد تعالي هذه الذات او تقديمها بوصفها الأفضل بل للإسهام في تحريض الجمال الكائن و المخبوء في الذوات الاخرى، بهذا المعنى يصبح الشعر كشفا و الشاعر رائيا .. لا حماس في هذه المنطقة ولا قوة بل ربما نجد في الضعف ما هو أقرب للإنسان من سواه، أحيانا القوة حجاب و الضعف فرصة هادئة للاستبصار، تأمل المصائر و الدخول الى بهو الانسانية! هكذا ارى الشعر.
جمال جاسم أمين

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة