نحن والخليج

حتمت الجغرافية الانتماء العراقي لمنطقة الخليج العربي ولطالما كان الموقع الجغرافي والاستراتيجي للعراق عاملا مهماً في التحكم بالعلاقات السياسية والاقتصادية والامنية مع الدول العربية الاخرى المطلة على الخليج وفي التاريخ القديم لايمكن انكار الامتداد الطبيعي للحضارات العراقية واتساعها لتشمل اجزاء واسعة من الجزر الخليجية وفي الوقت نفسه لايمكن انكار ماصنعته السياسة البريطانية والاستعمار البريطاني لهذه البقعة من العالم وتقرير الشكل الجغرافي لحدودها بما يضمن مصالحها اولا وبما يعكر مزاج شعوب الدول التي استعمرتها لسنوات طويلة ويحفل التاريخ الحديث والمعاصر لهذه المنطقة باحداث مفصلية اسهمت الى حد كبير في تقرير المصير لحكومات الدول المحيطة بالخليج ابرزها الصراعات الداخلية في الدول نفسها والنزاع حول الحدود والمصالح التي تربطها مع دول الجوار غير العربية ونعني بها تركيا وايران التي صاحبتها حروب وصراعات مسلحة ومن المهم الاشارة الى تشابه اشكال انظمة الحكم في دول الخليج العربي وتشابه نسيجها الاجتماعي وخلال اكثر من خمسة عقود حكمت اسر معروفة في دول الخليج باستثناء العراق شعوب هذه الدول وتحكمت بمقاليد الامور فيها وتنوعت زعاماتها بين الملك والامير والسلطان والرئيس وغابت فيها معالم التعددية والديمقراطية وتوارثت فيها العائلات سنوات الحكم من دون ان يخلو هذا العرف من التآمر والغدر والانقلابات واسهم ظهور النفط والاستقرار السياسي والاقتصادي والامني في تحقيق الرفاهية والرخاء لهذه الدول حتى باتت شريكا اقتصاديا مهما للدول الكبرى وبقي نظام الحماية الاميركي والبريطاني فاعلا في هذه المنطقة وعاملا حاسما في تقرير شكل الصراعات التي دارت في منطقة الخليج وفي الوقت نفسه بقي العراق دولة متفردة في هذه المنظومة ينظر اليه بعيون الريبة والتوجس والخوف من قبل جيرانه وبرغم العلاقات المتينة التي ربطت العراق بدول الخليج في حقب مختلفة وبرغم الانصهار الاجتماعي لاجزاء من المجتمع العراقي مع المجتمعات الخليجية الا ان طبيعة الانظمة السياسية التي حكمت العراق والتاريخ الجيوسياسي لبلاد مابين النهرين الذي كان حاضرا وفاعلا في كل تفاصيل العلاقة مابين العراق ودول الخليج اسهم كثيرا في صناعة حاضر مشحون بالصراعات ومستقبل محفوف بالمخاطر وفي منطقة ملتهبة تتكالب فيها مصالح الدول الكبرى على النفط ويتعاظم فيها تخزين السلاح وعقد الصفقات وتشيع فيها الخلافات العقائدية وتتباين فيها المواقف من الصراع العربي – الاسرائيلي والعلاقة مع ايران وتركيا ويسودها الخوف على العروش وتتخالف فيها المواقف والتحالفات في مواجهة الارهاب لايمكن على المدى القصير تحقيق أي شكل من اشكال التطبيع الذي يمكن من خلاله صنع السلام والاستقرار في المنطقة ..ان مايحصل اليوم بين قطر والسعودية هو زلزال اولي يهز منظومة دول مجلس التعاون الخليجي التي تعاهدت على توحيد المواقف وتقرير المصير وفي الوقت نفسه يكشف هذا الصراع تفاوت القناعات بالدور السعودي في قيادة دول الخليج وفضح علني لسياسات الاخفاء والتآمر في دعم الارهاب عقب تصادم المصالح وتعاظم (الانا) في الدور المستقبلي لدول الخليج وفي كل هذه الاجواء المحمومة لابد للعراق ان يحسن الوقوف في المكان المناسب والوقت المناسب ولابد للحكومة العراقية ان توظف هذا الصراع بما يحفظ لشعب العراق حقوقه المشروعة في محاكمة الاطراف التي اسهمت في سفك الدماء ومولت ودعمت واحتضنت التنظيمات الارهابية بعد ان كشفت الكثير من الحقائق المعززة بالاعترافات والتصريحات السياسية لحقبة مهمة من تاريخ المنطقة من دون الانزلاق في اية مساحات تعبر عن التبعية لاي طرف من اطراف ومحاور الصراع وتلك مهمة تتطلب حنكة ودراية واحتراف وفي الوقت نفسه ان يكون صاحب القرار بصيرا وعارفا ببواطن مايجري وما يدور حوله .
د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة