ابن نباتة شيخ كتّاب المقامة في بغداد

طارق حرب
ان فن المقامة او ما يسمى بالفن الاقصوصي المسجع اشتهر بها ابن نباتة السعدي ، وهو ابو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن احمد بن نباتة السعدي يرجع نسبه الى تميم وقد لقب بالقاب عديدة اشهرها ابن نباتة والسعدي والتميمي ،وقد ولد في بغداد عام 327هـ وتوفي فيها عام 405 هـ ودفن في مقبرة الخيزران أي مقبرة الاعظمية في رصافة بغداد وابن نباتة طاف في البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء وسكن مدينة حلب فترة من الزمن ،وقد ترك ديواناً كبيراً من الشعر ضاع قسم منه وله مقامات عديدة ضاعت جميعها الا مقامة واحدة وقد خلت هذه المقامة من الاسم والعنوان الذي يذكر للمقامات واسلوب هذه المقامة نحل فيه ابن نباتة رجلا اسمه الشيخ ويقصد به ابو مسلم محمد البغدادي المتوفي عام 399هـ وهو بطل المقامة وعلى لسان رجل سماه ابن اسحاق وهو راوية في المقامة وتبدأ المقامة ببيتين من الشعر الخفيف هما :ان هذا الربيع امر عجيب تضحك الارض من بكاء السماء ذهب حيث ما ذهبنا ودر حيث درنا وفضة في الفضاء .
وقد اكثر ابن نباته الشعر في هذه المقامة وهو شيء تكاد تنفرد به مقامة ابن نباتة التي تدل على النقد الادبي ونظم الكلام واختلف مصطلح المقامة فقد كان في العصر الجاهلي يعني مجلس القبيلة او ناديها فمقامات الناس مجالسهم وسميت مقامة لان الرجل كان يقوم في المجلس ويدعو الى الخير والصلح وفي العصر الاسلامي كانت المقامة تدل على المجلس الذي يلقي فيه شخص ما بعض القصص والاساطير وتطور مفهوم المقامة فاصبح يدل على اسلوب ادبي خالص متميز انفردت به ، فالمقامة قطعة ادبية فنية تجمع شوارد اللغة ونوادر التركيب في اسلوب مسجع انيق يعجب اكثر مما يؤثر ويلذ اكثر مما يفيد .وقد كان لبديع الزمان الهمذاني القول في اعطاء كلمة مقامة ومعناها ذلك الاديب الذي خصص خمس مقامات لمدينة بغداد من دون سواه من المدن العربية والاسلامية واركان المقامة هي الراوية وهو الشخصية الحقيقية او الرمزية او الخيالية الذي خلقها مؤلف المقامة ويروي في مجلس المقامة ما دار فيه واول راوية في فن المقامات هو عيسى بن هشام راوي مقامات بديع الزمان وكان راوية مقامة ابن نباتة السعدي هو ابن اسحاق ويعتقد ان ابن اسحاق هذا هو ابن نباتة السعدي نفسه وبطل الرواية هو الذي يذيع المقامة ويسرد حوادثها وقد يكون بطلاً هماماً او جباناً خوارا او اديبا او جاهلا او شريفا او نزيها او لصا خبيثا او زنديقا ملحدا حيث يحمل الضدين عند الحاجة كأن يجد مع النور والظلام والحرب والسلام .
وكان بطل ابن نباتة السعدي الشيخ البغدادي الذي كان اديباً كاتباً وراوية ناقداً والركن الثاني في المقامة هو اسلوب المقامة أي طريقة دمج الاحاسيس والمشاعر والعواطف والافكار ووضعها في قوالب لفظية معبرة وصياغتها صياغة مميزة في جمل مسجوعة وقوالب لفظية معنوية من جناس واقتباس وطباق ومقابلة وتورية وسواها كالاستعارة والتشويق وتكون مرصعة بالاحاجي والالغاز والامثال والحكم والاقوال اذ يقول ابن نباتة في مقامته:-
حدث ان ابن اسحاق ومن معه من الرفاق قال ان مما سارت به الركبان وتحدثت به الاقران شيخ من ذوي الادب تنسل اليه الطلاب من كل حدب يعقد مجالس المناظرة في مدارس المحاضرة …. ثم قال ايكم يخرق الحجاب ويفهم الخطأ من الصواب ليسمع الجواب بعجيب الخطاب …
وابن نباتة كان من المعاصرين لبديع الزمان الهمذاني لكن مقامته تختلف كلياً عن مقامات الهمذاني والتي كانت في الاستجداء والشحاذة بل كانت مقامة ابن نباتة عرض ادبي خالص يظهر فيها نبوغه وامكانيته على صياغة الجمل التعبيرية وبخيـال الاديب الحاذق والعبقري متناولـة الواقع الادبي والفكري للعصر الذي عـاش فيه لان هـذا العصـر فاق كل العصور الادبية في تاريـخ بغداد وامتازت لغـة ابـن نباتـة بشاعريـة موسيقية متينة السبك بعيدة الغور في معناها تضم الغريب النادر والسهل السائر بعيدة عن التكلف وتنساب على سجيتها يرسمها مقتضى الحال وكثرة السؤال ولقد فاق ابن نباتة في مقامته هذه جميع من كتب في المقامات كالهمذاني والحريري والزمخشري والسويدي والالوسي والسنـوي حتـى ان احد اصحاب المقامات في بغداد وهو ابن ناقد البغدادي الذي ولد عام 410هـ وتوفي عام 485هـ لم يصل الى مستوى ابن نباتة وان كانت خزائن الكتب قد فقدت الكثير من مقامات ابن نباتة ومقامات زميله البغدادي.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة