الصدام الأميركي – التركي في سوريا

(1ـ3)
كولن كول

تأزم العلاقات الاميركية التركية:
يكمن سبب النزاع بين تركيا واميركا في مواصلة الأخيرة بتقديم الدعم للأكراد السوريين الذين يحاربون تنظيم داعش الإرهابي. بدأت الشراكة بين الولايات المتحدة ووحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية -المعروفة حالياً باسم قوات سوريا الديمقراطية- منذ أكثر من عامين تحت قيادة الرئيس السابق باراك أوباما، واستمرت إدارة الرئيس دونالد ترامب الحالية بدعم قوات سوريا الديمقراطية التي يبلغ عدد أفرادها 50 ألف جندي كقوة محاربة لداعش في شمال سوريا، وقد اقتربت القوات حالياً من فرض سيطرتها على الرقة -وهي عاصمة تنظيم داعش- بعد موافقة ترامب على خطة لتقديم الأسلحة بنحوٍ مباشر هذه القوات للمعركة الأخيرة للقضاء على التنظيم، لكنَّ تركيا ترى أن هذه القوات تشكّل خطراً كبيراً؛ بسبب انتمائها إلى حزب العمال الكردستاني الذي نظّم تمرداً دموياً داخل تركيا قبل ثلاثة عقود، فتسببت هذه المصالح المتعارضة بحدوث تصادم بين واشنطن وأنقرة في الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة الاميركية القضاء على داعش في سوريا.
تعد مخاوف تركيا بشأن القوات الديمقراطية السورية أمراً بديهياً ومعروفاً على نطاق كبير؛ ولكن ما لم يكن معلوماً لدى العديد أن الإجراءات والقرارات التي اتخذها الرئيس رجب طيب أردوغان تسببت في عرقلة الجهود المشتركة بين الولايات المتحدة الاميركية وتركيا للقضاء على تنظيم داعش الإرهابي؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى توطيد علاقاتها مع وحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية وتشكيل قوات سوريا الديمقراطية في نهاية المطاف؛ ومع سيطرة هذه القوات على الرقة، فمن غير المرجح أن تتخلى عنها إدارة ترامب الآن.
في الأيام الأخيرة من حقبة إدارة أوباما، كان الرئيس الاميركي على استعداد بزيادة التدريب والمساعدة لقوات سوريا الديمقراطية للقضاء على داعش نهائياً، إلّا أن الجنرال المتقاعد مايكل فلين -مستشار ترامب للأمن القومي- طلب من أوباما إيقاف تلك المساعدات ليتسنى لفريق الإدارة الجديدة إجراء تقييم خاص بهم؛ وأصبح واضحاً الآن بأن فلين قد تم رشوته لتمثيل مصالح الحكومة التركية قبل أن يصبح مستشاراً للأمن القومي.
يبدو أن إدارة ترامب قد توصلت إلى النتائج نفسها التي توصل إليها أوباما بعد دراسة جميع الخيارات، وهي أن القوات الديمقراطية السورية تعد القوة الوحيدة الصالحة لإعادة السيطرة على الرقة في مدة قصيرة؛ ومع ذلك، قررت إدارة ترامب تأجيل تقديم الدعم الإضافي للقوات -ولاسيما مع تسليح أفراد وحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية- لعدة أشهر احتراماً للتحالف بين الولايات المتحدة وتركيا وسياسات أردوغان الداخلية؛ ويبدو أن إدارة ترامب كانت تنتظر نتائج الاستفتاء التركي في 16 من نيسان الماضي لزيادة تعزيز السلطة الرئاسية؛ مما سيمنح لأردوغان فرصة في عدم إثارة المشاعر القومية التي تناهض الخطة الاميركية.
بعد فوز أردوغان في الاستفتاء الذي يعزز من سلطته بنسبة ضئيلة، قام ترامب باتخاذ خطوة مثيرة للجدل حينما هنّئه، ومن المرجح أنه قام بذلك لتسهيل إنجاز مهمة تحرير الرقة من تنظيم داعش، وتمت دعوة أردوغان أيضاً لاجتماع مع ترامب في البيت الأبيض؛ وهي خطوة من شأنها أن تحسن صورة السياسة التركية نظراً للانتقادات الدولية المتزايدة حول تراجع الديمقراطية في تركيا.
لم تنجح الخطة الاميركية بالتأثير على تركيا، ففي 25 من نيسان الماضي قامت طائرات حربية تركية بضرب وحدات حماية الشعب الكردية والميليشيات العربية السورية ومواقع لحزب العمال الكردستاني على جانبي الحدود السورية-العراقية، وقد أسفرت عملية القصف -التي وقعت على بعد بضعة أميال فقط من المناطق التي كانت تعمل فيها القوات الاميركية- عن مقتل 20 شخصاً من مقاتلي وحدات حماية الشعب، وفي الوقت نفسه، أدّت الضربات التركية في شمال غرب العراق التي استهدفت حزب العمال الكردستاني على جبل سنجار إلى قتل عدد من قوات البيشمركة الكردية، فلم يكن هناك تنسيق رسمي مع الولايات المتحدة، وقد تم إعطاء الجيش الاميركي إشعاراً قبل أقل من ساعة من بدأ العملية التركية.
هدد أردوغان بمواصلة تركيا ضرب وحدات حماية الشعب ما لم تتخلَّ الولايات المتحدة عن شراكتها معها، وذلك بعد أن قدمت تركيا دعمها للاقتراح الروسي بإنشاء “مناطق تصعيد” لتجميد الصراع في أماكن أخرى في سوريا، وأشار أحد مستشاري أردوغان إلى أن القوات الاميركية قد يتم قصفها إذا ما استمرت في دعم السوريين الأكراد، وإذا نفذت تركيا هذه التهديدات، فإن ذلك سيؤدي إلى إحداث حرب حدودية بينها وبين الأكراد تعطل حملة تحرير الرقة؛ الأمر الذي يقوض مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة، وإذا ما تسبب خطأ عسكري من قبل تركيا إلى وفاة أفراد من القوات الاميركية فذلك سيقود إلى حدوث صراع مباشر بين واشنطن وأنقرة.
ستكون قضية الدعم الاميركي للأكراد السوريين القضية الأولى التي سيثيرها ترامب حينما يلتقي مع أردوغان في واشنطن نهاية شهر آيار الحالي؛ ومن المرجح أن يحاول أردوغان حثّ الرئيس الاميركي في إلغاء قراره بتسليح وحدات حماية الشعب والبحث عن بدائل أخرى لإنقاذ الرقة وهو أمر مسبتعد، لكنْ هل يعني ذلك أن مصير حليفي الناتو هو الدخول في صراع لا يمكن إصلاحه؟ الجواب هو كلا، بل يعني أن الإدارتين بحاجة إلى وضع خطط لتخفيف حدة التوتر بينهما قبل فوات الأوان؛ إذ إن حملة هزيمة تنظيم داعش الإرهابي ومستقبل العلاقات الاميركية-التركية على شفا حفرة.
لكي يتسنى لإدارة ترامب فهم الخيارات المتاحة عليها أولاً فهم أسباب الوصول إلى هذه النقطة الحرجة، إذ ارتكبت الولايات المتحدة أخطاءً كبيرة في سوريا، إلا أن المشكلة الحالية هي نتيجة الخيارات التي اتخذها أردوغان والتي دفعت الولايات المتحدة إلى عقد شراكة مع الأكراد كقوة وحيدة مناهضة لتنظيم داعش في شمال سوريا.
بدأت المشكلة في أيلول عام 2014 حينما هاجم مسلحون من تنظيم داعش بلدة كوباني -وهي بلدة حدودية ذات أغلبية كردية تسيطر عليها وحدات حماية الشعب منذ عام 2012-؛ الأمر الذي أدى إلى نزوح أكثر من 100 ألف مواطن إلى تركيا، فامت الأخيرة بنقل دبابتها إلى الحدود ورفضت التدخل نيابة عن وحدات حماية الشعب بينما شاهد العالم سيطرة التنظيم الإرهابي على المدينة وفرض حصار عليها، ومنعت الأكراد الأتراك من الدخول إلى سوريا لتقديم المساعدة.
رأى المسؤولون الأتراك أن المعركة في كوباني بين كيانين إرهابيين؛ فوضع أردوغان شروطاً قبل تقديم أي مساعدات تركية للمدينة المحاصرة وهي أن على وحدات حماية الشعب التخلي عن النظام السوري، وتفكيك المقاطعات الإدارية في شمال شرق سوريا وشمال غربها، والتزامهم بعدم تهديد الحدود التركية.
في منتصف تشرين الأول 2014 أمر أوباما بإسقاط جوي للإمدادات الطبية والذخائر للمقاتلين الأكراد الذين كانوا في أمس الحاجة إليها، ثم تمكنت أنقرة وواشنطن من التوصل إلى حل وسط يسمح لقوات البيشمركة العراقية بالعبور من خلال تركيا إلى كوباني للمساعدة في تعزيز وحدات حماية الشعب.
حينما تصاعد القتال في كوباني، بدأ المسؤولون الاميركيون والتركيون بمناقشة شروط التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للوصول إلى القواعد الجوية التركية، وناقشوا كذلك شروط التعاون الأميركي-التركي لإبعاد تنظيم داعش عن الحدود التركية؛ وقد قام الجنرال المتقاعد جون ألين -المبعوث الاميركي الخاص لتحالف القضاء على التنظيم الإرهابي في ذلك الوقت- ونائبه بريت ماكغورك، بعرض اقتراح بفتح القواعد التركية -التي كانت تستخدمها الولايات المتحدة لأغراض الاستخبارات، ومراقبة المعارك التي يخوضها مقاتلو التنظيم- لشن هجمات ضد التنظيم، وتضمنت الخطة أيضاً جهوداً مشتركة بين الولايات المتحدة وتركيا لتدريب قوات المعارضة السورية وتسليحها، وتقديم الدعم الجوي من قبل القوات الاميركية والتركية؛ لدحر التنظيم الإرهابي من جميع المناطق الحدودية التركية والسورية، وكان هناك حديث حول إدخال قوات العمليات الخاصة التركية كمستشارين للعمل جنباً إلى جنب مع أولئك المقاتلين.
رافق كاتب المقال -في أواخر شهر تشرين الثاني عام 2014- نائب الرئيس جو بايدن لمدة يومين لعقد محادثات مع رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو والرئيس أردوغان في إسطنبول؛ وكان الهدف الأساس من تلك المحادثات هو الحصول على الموافقة حول اقتراح ألين وماكغورك -اللذان عملا على نطاق واسع مع كبار المسؤولين الأتراك-، فوافق داوود أولغلو في اجتماع له مع بايدن على الاقتراح المقدم، في حين تم رفضه من قبل أردوغان الذي كانت لديه أولويات مختلفة. صرّح بايدن بعد ما يقرب من خمس ساعات من المحادثات عن مخاوف أردوغان بشأن دعم الولايات المتحدة الاميركية لوحدات حماية الشعب في كوباني، مشيراً إلى أن تركيا قامت أيضاً بتأييد مجموعات تعد مصدراً للمشكلات من وجهة نظر الولايات المتحدة بما في ذلك أحرار الشام -وهي قوة سلفية متشددة تعمل مع تنظيم القاعدة السورية-، قام بايدن بحثّ أردوغان على وضع هذه الخلافات جانباً من خلال تبني اقتراح ألين-ماكغورك؛ وللتخلص من مخاوف أردوغان بشأن وحدات حماية الشعب، فإن الولايات المتحدة وتركيا ستحددان بديلاً لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي. بيّن أردوغان تقبله للاقتراح الجديد ولكن بشرط واحد هو أن على الولايات المتحدة فرض منطقة حظر جوي شمال سوريا، بما في ذلك مدينة حلب، فلم يكن ذلك طلباً جديداً، فعلى مدى عامين سعى أردوغان إلى إنشاء منطقة آمنة في محافظتي حلب وإدلب الشماليتين لمنع تدفق اللاجئين السوريين، ومنح المتمردين المناهضين للأسد فرصة إعادة التنظيم والتدرب ويتم دعمهم بفرض حظر جوي لإبطاء مخططات الرئيس السوري في المنطقة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة