اريك تراجر
عندما تسربت الأخبار عن الهجوم المدمّر الذي وقع يوم الجمعة واستهدف المسيحيين الأقباط في صعيد مصر، حيث قُتل ما لا يقل عن 28 شخصاً وجُرح 23 آخرين كانوا على متن حافلة متجهة إلى أحد الأديرة، جاء رد الإسلاميين البارزين في مصر افترائياً كما كان متوقعاً. فقد زعموا أن الحكومة المصرية كانت وراء الهجوم، وأن المسيحيين نالوا ما يستحقونه. وأصدرت جماعة «الإخوان المسلمين» بياناً جاء فيه: «نندهش من الفائدة من وراء اشعال الفتنة في مصر ووضعها في آتون حوادث دموية تؤدي بها إلى المجهول»، كما وضع التصريح أسئلة تحقيقية على غرار، «كيف عرف المهاجم الإرهابي أن هناك حافلة تحمل أطفالاً ونساءً وأنفس بريئة؟»، في تلميحٍ إلى تواطؤ الحكومة مع الإرهابيين.
ولا يقف «الإخوان» وحدهم في طرح نظرية المؤامرة هذه. فعلى أثر الحادث، ما كان من آيات العرابي، الإسلامية التي تقيم في نيويورك وتفتخر بأن لديها أكثر من 400 ألف متابع على موقع «فيسبوك» ومارست ضغوطاً على الكونغرس في وقت سابق من هذا الشهر، إلّا وأضافت نكهةً طائفية إلى الخليط. فقد كتبت: «إنّ القضية برمتها [تهدف] إلى خلق قمعٍ سطحي ضد المسيحيين في مصر، وتحاول تصدير صورة تظهرهم على أنهم مضطهَدون». وأضافت أن بابا الكنيسة القبطية تواضروس الثاني شريك في هذه المؤامرة الشائنة والقاسية.
أما أحمد المغير، أحد شباب «الإخوان» البارزين، فقد كان الأكثر صراحةً في تعبيره إذ كتب على حسابه على موقع «فيسبوك»: «سواء كان الهجوم انتقاماً من المسيحيين أو أن النظام الحاكم هو المسؤول، النتيجة واحدة. المسيحيون يدفعون ثمن تحالفهم مع النظام المصري، وليس هناك حل أمامهم، إلا التراجع والتصالح مع المسلمين أو أن دمائهم سوف تستمر مثل الأنهار ولن يهتم أحد».
ويعكس بيان المغير العلم الإسلامي المصري الانموذجي الذي يعد أنّ المسيحيين مسؤولون بنحو أساسي عن الإطاحة بمحمد مرسي، أول رئيس منتخب في مصر، في تموز/يوليو 2013، وعن حملة القمع القاسية التي تعرضت لها جماعة «الإخوان» بعد ذلك. وفي الواقع، لم يكن بابا الكنيسة القبطية سوى واحد من بين العديد من الشخصيات، ومعظمهم شخصيات مسلمة – بمن فيهم شيخ جامعة الأزهر، وزعيم حزب سلفي، والسياسي غير الإسلامي محمد البرادعي، وناشطون شباب بارزون، وكبار القادة العسكريين، وغيرهم – من الذين ساندوا وزير الدفاع آنذاك عبد الفتاح السيسي عندما أعلن الانقلاب. لكن بما أن جماعة «الإخوان المسلمين» تعتبر مهمتها موازيةً للإسلام، فهي تنظر إلى خطوة الإطاحة بمرسي كعمل مناهض للمسلمين بقيادة غير المسلمين وحلفائهم. لذلك، إذا كان الجهاديون مسؤولين عن هجوم يوم الجمعة في المنيا، فقد كانوا ينتقمون فقط، وفقاً لكلمات المغير، من «جرائم المسيحيين» – أي الانقلاب وما بعده.
لكن بعيداً عن فكرة تعاونهم مع الحكومة المصرية، كما يزعم «الإخوان المسلمون»، يتنامى شعور المسيحيين المصريين بأنهم مدينون بالفضل بصورة متزايدة لحكامٍ عجزوا عن حمايتهم مراراً وتكراراً. ففي نهاية المطاف، إن الهجوم الدموي الذي وقع يوم الجمعة ليس سوى الأخير في سلسلةٍ من الهجمات الإرهابية – التي تبنى تنظيم «الدولة الإسلامية» الاعتداءات الأكثر وحشية منها – ضد المجتمع المسيحي في مصر. فقد قتل تنظيم «الدولة الإسلامية» 25 شخصاً في اعتداء شنّه على كنيسة في القاهرة في كانون الأول/ديسمبر، كما تسبّب بتهجير أكثر من 100 أسرة مسيحية من شمال سيناء بعد سلسلة من الهجمات في شباط/فبراير وآذار/مارس، إلى جانب مقتل 49 مسيحياً في تفجيرين استهدفا كنيستين يوم أحد الشعانين في نيسان/أبريل. ووفقاً لـ «معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط»، شنّ الإرهابيون أكثر من 30 اعتداءً على مؤسسات مسيحية أو أفراد مسيحيين خلال الأشهر الستة الماضية، ما أدّى إلى مقتل 121 شخصاً وإصابة 168 آخرين.
وليس ما يجري مجرد أعمال عنف عشوائية، بل جزء من إستراتيجية سياسية حاقدة. وكما ذكر الباحث في «جامعة جورج واشنطن» مختار عوض، فإن تنظيم «داعش» يعتقد أن إرهابه المناهض للمسيحيين سيزعزع استقرار مصر، تماماً كما أدت الهجمات التي شنّها سلفه [تنظيم «القاعدة»] ضد الشيعة في العراق إلى تأجيج عدم الاستقرار في تلك البلاد.
ويقيناً أنّ جماعة «الإخوان المسلمين» ليست مسؤولة بنحو مباشر عن هذه الهجمات. إلّا أنّ التحريض المعادي للمسيحيين الذي تمارسه يسهم في بيئة تضفي الشرعية على مثل هذه الهجمات. وبالفعل، فإن قادة «الإخوان» يصفون المسيحيين بانتظام على أنهم ليسوا ضحايا العنف بل المستفيدين من حكومة مصرية قمعت بوحشية جماعة «الإخوان» وغيرها من الجماعات الإسلامية.
إن الحملة الدعائية الطائفية ليست خفية. ففي تعليق نُشر على موقع «فيسبوك» في نيسان/أبريل، على سبيل المثال، ادعى باطلاً زعيم جماعة «الإخوان المسلمين» جمال حشمت أن الرئيس المصري السيسي ألغى تدريس التعليم الإسلامي [الديني] في المساجد، مضيفاً بنحو اعتراضي [بأن ذلك حدث]: «حتى مع استمرار التعليم الديني المسيحي في مدارس الأحد [بالكنائس]». وفي تعليقٍ آخر في وقتٍ سابق من الشهر نفسه، ادعى حشمت أن «المتطرفين الدينيين اليهود والمسيحيين» الذين «يحكمون العالم» هم المسؤولين عن زعزعة استقرار الحكومات التي يقودها الإسلاميون. وعلى المنوال نفسه، وفي أعقاب هجمات أحد الشعانين، ألقى زعيم آخر في الجماعة، هو عبد الموجود الدرديري، باللوم على المسيحيين بسبب»الأزمة»، وأشار إلى أن العنف لن ينتهي إلا عندما يصطف المسيحيون إلى جانب «المسلمين»، الذين قصد بهم على ما يبدو الإسلاميين.
وفي مناسباتٍ أخرى، تُصوّر جماعة «الإخوان» المسيحيين على أنهم المعتدون. فقد نشر الحزب السياسي التابع للجماعة صورة على موقع «تويتر» لرجال دين مسيحيين يمرّون أمام دبابة خلال زيارة البابا فرنسيس إلى القاهرة في نيسان/أبريل، معلناً أن الجيش المصري هو «ميليشيا الكنيسة». وفي أعقاب هجمات أحد الشعانين، روّج الناشط في شباب «الإخوان المسلمين» عمرو فراج لـ نظرية المؤامرة التي تزعم أنّ بابا الأقباط كان على علمٍ مسبق بالهجوم وغادر الكنيسة قبل وقوعه.
أما الأكثر شيوعاً فهو ببساطة وصف قادة «الإخوان المسلمين» للمسيحيين على أنهم الأعداء. فقد غرّد زعيم في جماعة «الإخوان» أشرف عبد الغفار في نيسان/أبريل على موقع «تويتر» وقال: «يهودياً [يعني السيسي] يحكم مصر لصالح إسرائيل ويسعى لتقسيمها، في حين يهين المسيحيون المصريون الإسلام والمسلمين».
وتمثّل هذه التعليقات تحريضاً سافراً على العنف – لا سيما نظراً إلى التعاطف الضئيل تجاه موقف المسيحيين المصريين المحفوف [بالمخاطر] في بعض أنحاء البلاد. وفي مقابلة تلفزيونية في أعقاب هجمات أحد الشعانين، نقل ابن شقيقة إحدى حراس الأمن، وهي عميد مسلمة قتلت في التفجير، عن عدم ارتياح خالته في حراسة الكنيسة: فقد تساءلت ما إذا كان الله سيتقبل صلواتها إذا أدّت الصلوات في كنيسة، وما إذا كانت ستُعد شهيدة إذا ماتت في الكنيسة. وبالطبع، توفّيت في نهاية المطاف في أثناء تأديتها واجبها. وقد شارك ابن شقيقتها قصتها كدليل على وحدة مصر. وقال «الذين لقوا مصرعهم كانوا مسيحيين يصلون ومسلمين يصلون»، مضيفاً «أؤكد بشدة لـ تنظيم «داعش» أننا … لم ننتهِ».
إلا أن التحريض الطائفي لـ جماعة «الإخوان» يهدف إلى جعل المسلمين المصريين يعيدون التفكير في حراسة الكنائس – مثلما تجعلهم وحشية تنظيم «الدولة الإسلامية» يعيدون التفكير لأسباب أمنية. وفي حين استنكر الرئيس السيسي وأدان مساعي الإرهابيين «في ضرب تماسكنا»، فإن عدم فعالية حكومته في حماية المسيحيين قد ترك هذه الطائفة تحت رحمة هذه الضربة المضاعفة المروّعة.
*إريك تراجر هو زميل «استير ك. واغنر» في معهد واشنطن.