مكافحة الإرهاب: الاستراتيجيات والسياسات

(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
الحلقة 19
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد*

المواجهة الالكترونية
وفي الاتجاه المعاكس ظهر نشاط “الهاكر جستر” المعني بقرصنة المواقع “الجهادية”، ويديره جندي اميركي شارك سابقاً في حروب اميركية ضد الإرهاب، ويعمل حالياً في حقل الاستخبارات والامن الالكتروني مدعوماً من قبل الولايات المتحدة الاميركية. اتجهت الادارة الاميركية خلال شهر فبراير 2015 الى تجديد وتحديث جهودها في مجال المقاومة الالكترونية لتنظيم داعش بعد ان كثف داعش نشاطه على تويتر ووسائل التواصل الاجتماعي. وبسبب هذه التداعيات شكلت وزارة الخارجية الاميركية مركز الاتصالات الاستراتيجية لمكافحة الإرهاب لملاحقة نشاطات التنظيمات “الجهادية”.
مدير وكالة المخابرات المركزية الاميركية جون برينان اكد في 6 مارس 2015، ان الوكالة بصدد اجراء اكبر تعديلات في تاريخها لزيادة التركيز على عمليات الانترنت ودمج المبتكرات الرقمية في جمع المعلومات. وقال “جون برينان”، انه سيتم تأسيس “هيئة الابتكار الرقمي”لرصد واستغلال تطورات التكنولوجيا الرقمية، مضيفا ان وكالة المخابرات المركزية “سي اي ايه” بصدد تشكيل وحدات جديدة تدعى “مراكز المهام” هدفها زيادة التركيز على التحديات الجديدة مثل انتشار الاسلحة او اكتشاف مناطق جغرافية غير معروفة مثلا في افريقيا. يذكر ان برامج المراقبة التي نفذتها وكالة الامن القومي الاميركية كشف عنها العميل السابق لدى المخابرات الاميركية “ادوارد سنودين” عام 2013، والتي تظهر حجم استفادة الوكالة من التجسس على شبكة الانترنت لجمع البيانات. ال ان بعض المؤسسات الاعلامية والمواقع انتقدت عمليات اختراق بياناتها ومعلوماتها على الشبكة العنقودية من قبل “وكالة ناسا” التابعة للأمن القومي الاميركي. وكشف تقارير استخبارية صادرة في 20 فبراير 2015 ان الاستخبارات الاميركية والبريطانية اخترقتا اكبر شركة لتصنيع شرائح الاتصال الخاصة بالهواتف المحمولة “سيم”، وحصلتا على مفاتيح تشفير مما سمح لهما في مراقبة المستخدمين.
الا ان بعض الاطراف تصف ما تقوم به وكالة ناسا و ايضا الامن القومي من عمليات اعتراضية بانها عمليات قرصنة من خلال منع بعض التعليقات على تويتر ووسائل التواصل الاخرى بوصفها تقييدا لحرية الراي. مازال الراي العام في الغرب يعيش حالة من التشويش بين الهوس بتعبير حرية الراي وبين مكافحة “الدعاية الجهادية” وازدراء الاديان. ما دفع بعض المنظمات الى رفع دعاوى قضائية ضد وكالة الامن القومي ومنها “هيومن رايتس ووتش” و”منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة”.
وعليه فان مواجهة “الدعاية الجهادية” وشيطنة الانترنيت لا يمكن ايقافها، برغم جهود الحكومات والمنظمات، فالتطور الحاصل في التكنلوجيا والتقنية تستثمره هذه الجماعات بين انصارها من الجيل الرابع والذي يمثل الشريحة الاوسع لهذه الجماعات. فالإدارة الاميركية وكذلك دول الاتحاد الاوروبي تحاول ان تسرع من اجراءاتها من خلا تشريع حزمة من القوانين لمواجهة هذه التهديدات التي بدأت تضرب امنها القومي وتلوح بتصعيد تهديداتها في المستقبل القريب.

البلقان، خاصرة اوروبا تعلن “الجهاد”من الداخل
هكذا وصل تنظيم “الدولة الاسلامية” الى “البلقان”
يعمل تنظيم “الدولة الاسلامية” على توسيع حضوره في مناطق جغرافية متباعدة، وهذا من شأنه ان يفتح جبهات متعددة من اجل تخفف الضغوط عن معاقله. تبقى وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الاكثر فاعلية بالحصول على انصار وتدفق مقاتلين جدد. التنظيم مازال يمثل قوة جذب للمقاتلين الاجانب في الخارج، برغم تراجع المساحة التي يقف عليها في العراق وسوريا و تصاعد الخلافات ما بين قياداته من الداخل.
كشفت التقرير والتحقيقات المعنية بتوسع الجماعات “الجهادية” جغرافيا، لتكون دول البلقان مصدرا لتدفق المقاتلين الى تنظيم “الدولة الاسلامية” والجماعات “الجهادية” الاخرى. وبعد ان تم القبض على اعضاء في تنظيمي النصرة وداعش في كل من كوسوفو والبانيا والبوسنة، اصبحت “البلقان” محط انظار اجهزة الامن والاستخبارات خاصة الاوروبية. يذكر بان التقديرات تشير الى وجود خمسة ملاين مسلم في دول البلقان، يوغسلافيا سابقاً. وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “ديلي تلغراف” في 10 يونيو 2015 تقريرا تقول فيه انه بعد مرور عام على سيطرة تنظيم الدولة على مدينة الموصل، لا يزال التنظيم يدير عملياته في العراق وسوريا. ويفيد التقرير بانه بالنسبة لدول البلقان، فيعد المقاتلون من البوسنة الاكثر عددا (330)، ومن كوسوفو (100- 150)، والبانيا (90)، وصربيا (50-70)، ومقدونيا (12). ويقول “بليريم لطيفي” المختص في الشؤون الدينية في جامعة “بريستينا”، ان “كوسوفو التي استقلت عن صربيا في 2008 تعاني من ازمة سياسية عميقة مصحوبة بفساد متأصل يجعل الافق مسدودا امام الشباب”. ويضيف ان “عامل انعدام الفرص الاقتصادية امام الشباب في كوسوفو على درجة كبيرة من الاهمية، وهذا العامل يترك الباب مفتوحاً امام الجماعات الظلامية لتعبئتهم ايديولوجيا”. وهذا ما يفسر جزءا من التحاق عدد كبير من الشباب اليائس بالجماعات الإرهابية في العالم وخاصة في سوريا والعراق. هذه الحقائق تجعل العامل المادي ربما يتقدم على عوامل التجنيد الاخرى مثل الغسيل الأيديولوجي او بسبب سياسات التهميش في اوروبا والبحث عن الهوية.

مهام مقاتلي البلقان
تتركز مهام المقاتلين الاجانب من البلقان ودول اسيا الوسطى على المهام القتالية، وتبقى اللغة هي التحدي الكبير امام هذه الجماعات. التنظيم يتبع سياسة تقوم على دفع المقاتلين المحلين من سوريا والعراق الى الجبهات الامامية، اما المقاتلين الاجانب فتقع على مسؤوليتهم ادارة امن “الولايات” والحواجز وربما المعابر الحدودية. هذه السياسية اثارة غضب الكثير من المقاتلين المحلين. ان ظاهرة الانتحاريين بين جماعة البلقان ربما اقل نسبيا فقد كان “بليريم هيتا الكوسوفي” البالغ من العمر 24 سنة ثاني “جهادي” من البلقان ينفذ عملية انتحارية تودي بحياة 52 عراقي منتصف اذار 2015. اما الحالة الثانية فكان لانتحاري “امرا فوجنيكا” من البوسنة يبلغ 23 سنة، وقد فجر نفسه في سوق مكتظ في بغداد فقتل 24 شخصاً من بينهم 11 امرأة و6 اطفال. فمازال هنالك تدفق للمقاتلين الاجانب من البلقان وتشير الاحصائيات الى وجود 600 الى 700 مقاتل من البلقان الغربي داخل داعش وقليل منهم مع جبهة النصرة، الذي يضم (كرواتيا وصربيا والبوسنة والهرسك ومونتينيغرو وكوسوفو ومقدونيا والبانيا).

دعوة “للجهاد” من داخل البلقان
بعد مرور 15 سنة على اخر نزاع مسلح في البلقان، مازالت هنالك مخاوف من الكراهية والاثنية. وهذا ما دفع انصار داعش ان يدعو “للجهاد” خلال زيارة البابا “فرنسيس” الى “سراييقو” في 6 يونيو 2015، البلقان في شريط مصور يحمل اسم “ابو مقتل الكوسوفي” قائلا [ ان اياما صعبة ستواجه الكفرة في البلقان] هذا الاعلان هو اشارة الى توسع داعش في مناطق جغرافية جديدة ورسالة تهديد مفتوحة. ان الجغرافية التي يتمدد عليها هذا التنظيم تستحق الدراسة والاهتمام، فان البلقان خاصة دول يوغسلافيا السابقة تعدّ خاصرة اوروبا من الجنوب وتحظى باهتمام دفاع وامن اوروبا.
وما يدفع الشباب الالتحاق بداعش هو الدعم المالي والدعاية، ذكرت اعترافات منشقين وشهادات من داخل تنظيم “دولة داعش، بان المقاتلين الاجانب يحصلون على امتيازات مادية اكثر بصحبة عوائلهم، ويحصل الشباب منهم على فرص الزواج بدعم من زعيم التنظيم ابو بكر البغدادي. تنظيم داعش يعمل على استقطاب المقاتلين الاجانب من اسيا الوسطى والبلقان ودول اخرى عبر شبكة عمل جميعا تمر عبر تركيا قبل دخولها سوريا ثم العراق. وهذا يعني ان الوضع المالي الذي يتمتع به تنظيم داعش ينعكس ايجابا على التنظيم بتدفق مقاتلين والحصول على الخبرات. الخبراء يؤكدون بان القضاء على التمويل يعني القضاء على التنظيم، هو العصب الرئيسي لهذه الجماعات. بعض التقارير الصحفي قدرت ثروة التنظيم اليوم بما يفوق 8 مليارات دولار، بعد نهب البيوت والممتلكات في جميع الاماكن التي احتلتها، والسيطرة على مصادر الثروة والبنوك اضافة الى “الضرائب والاتاوات” التي تحولت الى مصدر رئيسي للتنظيم.

جهود مكافحة الإرهاب في البلقان
ان مشكلة تدفيق المقاتلين الاجانب الى سوريا والعراق ربما تكون اكثر تعقيد من دول يوغسلافيا السابقة، هذه تعود الى اسباب الصراع الاثني والعرقي والمذهبي في اعقاب انهيار دول الاتحاد السوفيتي عام 1990ـ1991 واندلاع الحرب الاثنية العرقية مابين المسلمين والصرب والتي نتج عنها تدخل دولي وتقسيم جديد لدول المنطقة. ويلعب العامل الاقتصادي دورا في اندفاع بعض الافراد والجماعات للالتحاق بالجماعات المتطرفة، ابرزها داعش، يذكر ان التحاق جماعة “البلقان” ربما تختلف عن ظاهرة “الشيشان” اتي وصلت على شكل كتائب وفصائل. اي ان تأثير مقاتلي البلقان ربما اقل تأثيراً في المشهد “الجهادي” من دول اسيا الوسطى.
المشكلة ان دول يوغسلافيا السابقة، تواجه مشكلة النقص في التمويل وربما في الخبرات بالتعامل مع هذه الجماعات المتطرفة. ولدى اجهزة الامن قائمة بأسماء المقاتلين الذين غادروا الى سوريا والعراق او العائدين، لكنها غير قادرة مواجهة تلك التهديدات. وتتبع الحكومة سياسة مواجهة “الدعاية الجهادية” لتنظيم داعش. وتنفيذا لتوجيهات ابو يكر البغدادي في اعقاب التحالف الغربي ضد داعش في سبتمبر 2014، فان هذه الجماعة تنفذ عمليات “الخلايا المنفردة” في البلقان وهناك بعض حالات الطعن بالسكين ضد جنود واغتيالات ضد رجال دين حاربوا هذا التنظيم فكريا. وسبق ان اصدرت حكومات “البوسنة والهرسك وكوسوفو ومقدونيا” عدد من القوانين للحد من تدفق المقاتلين. اتخذت بعض الحكومات ابرزها “البوسنة” خطوات لتعديل القانون الجزائي لتجريم كل شخص يثبت انضمامه او دعمة للجماعات المتطرفة وفرض العقوبات. تبقى امكانية مواجهة التطرف والسيطرة على حركة المقاتلين ما بين البلقان وسوريا والعراق صعبة بسبب ضعف الامكانات المادية والخبرات. وما يعزز هذه الفكرة ان تصريحات مسؤولين استخبارات اوربيين وغربين صرحوا قبل هذا، انه لا يمكن وقف الدعاية “الجهادية” بسبب وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الاعلام، ابرزهم مسؤول ال (F.B.I) الذي صرح يوم 19 يونيو تصريحا يحمل ذات المضمون.

* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة