(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
الحلقة 17
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
جاسم محمد*
اخفاق استخباري
الخلايا المذكورة جميعها كانت تحت المراقبة ومتورطة بعلاقاتها مع الجماعات “الجهادية” وكانت ترتبط في نفس الوقت بعلاقة مع الاستخبارات الغربية، المشكلة ان ادارة العميل المزدوج ليست بالسهلة، في الوقت الذي تحاول فيه اجهزة الاستخبارات ايجاد علاقة مع انصار او اعضاء بهذه الجماعات، فالأخيرة هي الاخرى تعمل استخباريا بإيجاد حالات تماس واختراق داخل اجهزة الاستخبارات، من اجل كشف وسائل واساليب عملها تجاهها وكشف اهدافها. ولب القضية يعتمد على من يدير هذه اللعبة المزدوجة من اجهزة الاستخبار، اي الضابط ـ العميل المعني بإدارة مثل هذا النوع من العمليات والذي يجب ان لا يكون عميلا حديث العهد بالعمل استخباري وان يكون مطلعا على عمليات اخضاع العميل المزدوج(المصدر) الى عمليات اختبار وكشف ومراقبة فنية وبشرية، بين فترة واخرى ولا تتوقف عند مرحلة معينة، غير ذلك يعدّ اخفاق استخباري، وهذا ما حصل حتى مع وكالة ال “سي اي اية” والان بحدث مع الاستخبارات الفرنسية، ومن المحتمل ان تظهر حالات فشل واخفاق مستقبلا. الاستخبارات الاوروبية والفرنسية والبريطانية، اكدت بان الذئاب المنفردة لا يمكن التنبؤ بها وتعدّ تحديا خطيرا، وهذا ما اكده منسق مكافحة الإرهاب في المفوضية الاوروبية “جليوس دي كروشوف” في اعقاب حادثة “شارلي ابيدو”.
القاعدة تتحول من تنظيم الى فكر متشظي
الجماعات “الجهادية” اليوم لم تعد تنظيما مركزيا، كما كانت في حرب افغانستان والعراق، فقد تحولت الى ايدلوجية متطرفة تقوم على تحويل السلفية، الى الية تكفير وقتل، اي انها صنعت من عقيدة السلفية قالب تنظيمي تحت “التوحيد والجهاد”. القاعدة الان ايدلوجية “فكرية” متشظية يصعب السيطرة عليها بحروب تقليدية. واكثر العينات تعرضا للغسل الأيديولوجي “الجهادي” التكفيري، هي من فئة الشباب الذين يعيشون في الغرب خارج بلدانهم الاصلية، ويترددون الى مسقط راس اباءهم واجداًدهم ويعانون من فقدان الهوية. لذا لو استعرضنا عمليات الخلايا الفردية جميعها كانت خاضعة الى هذا الاحتمال.
وتعدّ مناطق النزاع التي يشهدها العالم مصدر “الهام” للشباب، لما تعرضه من صور الضحايا التي من شأنها تشحن تفكير الكثير من الشباب لان يتحولوا في لحظة الى خلايا فردية مفخخة في المجتمع. ومن ابرز مناطق الصراع هي سوريا وافغانستان والعراق واليمن والصومال والمغرب الاسلامي وغرب افريقيا. لذا، فان فلسفة الخلايا الفردية تخاطب الشباب من اصول عربية اسلامية في الغرب، وكذلك من الشباب الذين تحولوا الى الاسلام حديثا، ليكونوا محركات “جهادية” في مجتمعاتهم. هنا يبرز دور المؤسسة الدينية في مواجهة هذا التطرف وهذه الجماعات، من خلال عقد المنتديات تكشف فيها خديعة “الفكر الجهادي” ولدولة الامارات العربية والمملكة العربية السعودية دوراً بارزاً في مواجهة الإرهاب فكرياً وفي معاقله ودعم الدول التي تواجه معضلة الإرهاب. ويعدّ الازهر الشريف ابرز المؤسسات الاسلامية التي واجهت هذا الفكر المتطرف من خلال الندوات والفتاوى والدراسات.
من يصنع اعلام داعش
توظيف الاعلام عند “دولة داعش”
يستغل تنظيم “الدولة الاسلامية”، الاعلام لإيصال رسائله التنظيمية وتنفيذ اهدافه بتوسيع “دولة الخلافة”.
اعلام داعش يظهر وحشية هذه الجماعة من اجل الترهيب واثارة الرعب. وقد حظيت طرق عرض وذبح الرهائن، باهتمام وكالات الاستخبارات الدولية ووسائل الاعلام. خبراء الاستخبارات والمعنيون في وسائل الاعلام ذكروا، ان الطريقة التي يقدم بها هذا التنظيم مواده هي طريقة متقدمة جداً بسبب استعمال نوعية كاميرات واستديو هات متقدمة وصفوها بانها طريقة “هوليودية” وذكرت التقارير ان التنظيم يستعين بخبراء معنيين بالتصوير والمؤثرات السمعية والصورية في التصوير معتمدا على خبراء اعلام عرب واجانب. كشفت تقارير استخبارية ووكالات اخبارية دولية خلال شهر اكتوبر2015 عن الرجل المسؤول عن توثيق واخراج الافلام ومقاطع الفيديو التي ينشرها تنظيم “الدولة الاسلامية” ويعرف بـ “ابو سمرة” يبلغ من العمر 32 عاماً، ولد في فرنسا ونشا في ولاية بوسطن ويحمل الجنسيتين الاميركية والسورية. وفي ذات السياق، قال الاستاذ في معهد”“بروكينغز”الدولي، تشارلز ليستر: “(..) ان داعش ركز كثيراً على وجوده في العالم الافتراضي من خلال بث رسائله واشرطته وصور مقاتليه وعملياته”. ان امتلاك تنظيم “الدولة الاسلامية” الامكانيات المالية باعتباره واحد من اغنى التنظيمات “الجهادية” مكنته الحصول على خبرات فنية. وكشفت التحقيقات الاستخبارية، بان التنظيم يعتمد على اوربيين شباب من اصول اسيوية، اكثرهم من اصول باكستانية في بريطانيا بإدارة نشاطاته الاعلامية وكذلك عرب من شمال افريقيا منها المغرب والجزائر. ومن وجهة نظر اخر تحدث الدكتور كاظم المقدادي من كلية الاعلام بجامعة بغداد، الى اذاعة العراق الح قائلا: ان تنظيم داعش يعتمد استراتيجية اعلامية واضحة، ولديه ماكينة اعلامية متكاملة تراعي فيها الجوانب النفسية والاجتماعية والدينية، ولا يستبعد استعانة التنظيم بصحفيين عراقيين وعرب واجانب في تشغيل ماكينته. اما الصحفي السوري المتخصص في الجماعات الجهادية منار عبد الرزاق، فاكد من داخل سوريا الى وسائل الاعلام عن وجود كفاءات صحفية واعلامية في صفوف تنظيم “داعش” لافتا الى ان الحديث يجري عن ان شخصية لها خبرة الـ” بي بي سي او الـ سي ان ان” تدير الماكينة الاعلامية لداعش.
داعش: حداثة في الاعلام
وفي حوار خاص مع الاعلامي المتخصص بشأن “الجماعات الجهادية” عمرو عبد المنعم ، والذي سبق له ان اجرى حوار مطول مع المخرج “مدين ديرية” صاحب اول فيلم تسجيلي وثائقي يتحدث عن “الدولة الاسلامية” من الداخل يقول: ان فكرة الصورة والفيديو هي الاعلام المعاصر والتأثير السريع الذي يحول انظار المتلقي الي عملية التعاطف او الهجوم. واضاف، ان هذا النوع من الاعلام له تأثير كبيرعلى المتلقي. وكشفت الاحصائيات والبيانات علي تلقي الشباب لفيديوهات داعش بنوع من القبول في مناطق الصراع مثل سوري واليمن والعراق ومصر بعد 30يونيو2014. ولو قمنا بتحليل فيديو صولة الانصار 2 الجديد سوف نجد الاخراج العالي المعتاد والذي تجيده التنظيمات “الجهادية” ضمن مفهوم “الجهاد” الالكتروني. ويقول السيد عبد المنعم بان التنظيم يوفر كتيبة اعلامية قتالية مع المجموعات المقاتلة (..) والتي تصور في الغالب “بكاميرات مخفية” Hidden camera اثناء العملية مثبته علي فوهات البنادق ومقدمات السيارات اضافة الي تمرس “الانغماسين” في عمليات التصوير بجانب الاهداف المفخخة والاشخاص الملغمين اثناء تصوير العمليات هذه المجموعات يتم تدريبها في كتائب متخصصة تتلقي دورت مكثفة بتكنولوجيا عالية الجودة.
اعلام داعش المرئي في الموصل
وفي حديث خاص مع احد الناشطين من داخل مدينة الموصل، رفض الكشف عن هويته ذكر: ان داعش تهدف من نشر الفيديوهات لزرع حالة الخوف والصدمة في داخل نفوس المواطنين على سبيل المثال في الموصل. التنظيم يتبع ذات اساليب الانظمة الشمولية منها اساليب حزب البعث الذي حكم العراق لاكثر من اربع عقود. واضاف ان التنظيم يجبر المواطنين في المناطق التي يسيطر عليها على مشاهدة تلك المواد المرئية. ويقف وراء ماكنة دعاية داعش خبراء عرب واجانب، ما يتعلق بالإنتاج المرئي، هناك خبراء اعلام من شمال افريقيا خاصة المغرب والجزائر. واضاف المصدر، تحتوي المواد الاعلامية العمليات العسكرية التي ينفذها التنظيم دون تضمين المحاضرات الدينية، وركز التنظيم في الآونة الاخيرة على نشر حرق الطيار الاردني “معاذ الكساسبة، وقطع رؤوس لمقاتلين كورد “البيشمركة” وعمليات التنظيم في مصفى بيجي ـ محافظة كركوك العراقية.
وسائل نشر الاعلام المرئي:
اولا ـ انشاء نقاط اعلامية وهي عبارة عن “كشك” في وسط المدن وتقاطعات الطرق، وعلى جدران الكشك يتم تركيب ما يعادل اربع شاشات عرض، او شاشات تلفزيون، وحولها تكون كاميرات تصوير وكراسي لجلوس المارة. جماعة التنظيم يتوزعون في الشوارع وتطلب من المارة الجلوس لمشاهدة ” انتصارات الدولة” على شاشات العرض. وهي ذات الاساليب المستنسخة من “ولاية الرقة” السورية.
ثانياً ـ توزيع Flash Micro Memory 4 Gigabyte مجانا قيمة الواحدة تصل الى (15$) من قبل عناصر التنظيم في تقاطعات الطرق والاشارات المرورية.
ثالثاً ـ قنوات تلفزيونية :
ـ قناة “الخلافة” بث تجريبي تم اطلاقها حديثا، على قمر “نيل سايت” مصر، : Frequencey 12070/27500 alklafah
ـ قناة الموصلية الفضائية، بديلا عن القناة العراقية التي استولت عليها
ـ قناة الموصل الارضية، بديلا للقناة العراقية التي استولت عليها.
ـ قناة الكرامة ـ ارضية
ـ قناة الرافدين الفضائية، التابعة المعارض الشيخ حارث الضاري، بدئت تبث مواد الى تنظيم داعش.
اما في الرقة السورية فقد كشف الصحفي السوري منار عبد الرزاق الخبير في شؤون الجماعات الاسلامية المسلحة فتوجد هنالك سينما خاصة بـ”داعش” تعرض افلام قصيرة على شاشة عرض في المراكز الثقافية الموجودة في المناطق التي تقع تحت سيطرة التنظيم، كما سعى التنظيم الى اطلاق قناة فضائية واجرى اتصالات مع شركات عالمية. برغم خسارة داعش على الارض، مازال تنظيم داعش يمتلك الة اعلامية قوية مكنته من ايصال رسائله “الجهادية” من خلال مواقعه الاعلامية منها (شبكة شموخ الاسلام ومنبر التوحيد والجهاد ومركز الحياة) والتي تمثل اذراع داعش الاعلامية.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة