كيو جين
أستاذة الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد
فى وقت لاحق من هذا الشهر، سيستضيف الرئيس الصينى شي جين بينغ قمة قادة الدول ال 65 المشاركة في مبادرة «حزام واحد، طريق واحد»(OBOR) ، وهو برنامج رائد سيوجه مليارات الدولارات الاستثمارية نحو مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء آسيا، وأفريقيا، وأوروبا. وعلى الرغم من وجود دوافع اقتصادية قوية للمشروع، فإن ردود الفعل متباينة.
والدافع الرئيسي الذي يقود مبادرة «أوبور» هو الربط المادي: فالبنية التحتية الفعالة تعزز الإنتاجية وتعزز الاستثمار وتخفض تكاليف التجارة.فمع وجود قنوات فعالة لتبادل السلع وشبكات المعلومات ذات الصلة الجيدة، يتضاعف النمو، وتزداد الفرص الاقتصادية، وتتقلص الفوارق.
والخبر السار هو أن هذه البنية التحتية يمكن بناؤها بطريقة فعالة ومفيدة من حيث التكلفة.والمفتاح هو الجهود التعاونية التي تستغل الميزة النسبية لكل بلد، سواء كان رأس المال، أو الدراية التكنولوجية، أو القدرات اللوجستية أو البناء، أو المواد الخام، أو حتى السلع الصناعية. ويمكن لهذا النهج أن يدفع عجلة التنمية في البلدان ذات الدخل المنخفض، وأن يساعد الاقتصادات الناشئة على تجاوز معضلة الدخل المتوسط المُخيفة.
ولكن عمل الربط المادي لا يتطلب فقط مبالغ هائلة من التمويل؛ بل إن السياسات والتنسيق التنظيمي ضروريان أيضا. وعلى المدى القصير، يمكن أن تُعرقَل استثمارات البنية التحتية بمخاطر سياسية وسيادية ومالية كبيرة.
بداية ، يكمن الخطر في إعطاء القادة السياسيين الأولوية للمصالح القصيرة الأمد على حساب رؤية طويلة الأجل.على سبيل المثال، قد يحاولون كسب الأصوات بواسطة تخفيضات في رسوم الطرق أو تعريفات المياه، مما يتسبب في تعطيل مشاريع البنية التحتية الجيدة وفي خسائر صافية.وقد يفتقرون أيضا إلى الحافز لجمع الأموال للمشاريع الكبيرة، ما لم تترجم تلك الجهود إلى أصوات فعلية.
ومما لا يساعد على ذلك أن كثيرا من البلدان تتصدى للديون العامة، مما يجعل من الصعب عليها أن تقترض من المؤسسات الإنمائية المتعددة الأطراف. ونظرا للحيز المالي المحدود، قد تحتاج الحكومات إلى اللجوء إلى فرض الضرائب – وهو حل صعب سياسيا – من أجل مواصلة الاستثمار في البنية التحتية. وقد يضطرون أيضا إلى تخفيض الاستثمار في مجالات حيوية أخرى، مثل التعليم أو الصحة أو حماية البيئة.
وقد لا يكون المستثمرون من القطاع الخاص مستعدين أو قادرين على الاحتفاظ بأصول من دون سيولة طوال عملية التحضير والتشييد. وهذه العملية طويلة المدى في أفضل الأوقات؛ في البلدان النامية ذات القدرات المؤسسية الضعيفة، كثيرا ما تُستخلص، مما ينتج تكاليف إضافية ضخمة.
وتحاول العديد من السلطات الوطنية معالجة هذا الأمر عن طريق تحسين الإدارة وتوفير بيئة مواتية للاستثمار في الهياكل الأساسية، بما في ذلك عن طريق تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. ولكن النجاحات كانت متوسطة أو ضعيفة.
وتعلم الصين كل هذا.وتعترف بحاجة البلدان النامية الملحة إلى الاستثمارات في الطرق والسكك الحديد ومحطات توليد الكهرباء والشبكات والمطارات والموانئ البحرية، فضلا عن التحديات التي تواجهها في تأمينها.وهي تدرك جيدا الفوائد المحتملة للربط، لاسيما إذا تجاوز منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
ومنذ تقديم مبادرة «أوبور»، اتهمت الصين في كثير من الأحيان بمحاولة السيطرة على العالم النامي، بل واستبدال الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية مهيمنة.ويشير البعض إلى السجل التاريخي، محذرا من «ثوسيديدس»: قوة صاعدة ستحاول في نهاية المطاف تحدي قوة راسخة
ولكن مثل هذه التحذيرات تتجاهل درسا حاسما من ذلك السجل: فالتحديات تنتهي دائما بنحو سيء.وتدرك الصين جيدا كيف أن فخ «ثوسيديدس» قد يطغى على السلطة المهيمنة والمنافِسة، حتى بعد أن يعد المنافس نفسه فائزا.ولكن هذا لم يمنع السياسيين من إثارة المخاوف بشأن الصين ومبادرة «أوبور»
ومن الأمثلة على ذلك سري لانكا التي وحتى وقت قريب، كانت قد رحبت – بل سعت – إلى استثمار الصين في بنيتها التحتية. وعندما بدأ السياسيون في محاولة كسب الدعم من خلال زرع الشكوك حول نوايا الصين، تحول المزاج السائد تجاه الصين من التقدير إلى السخط.ثم قبل هؤلاء السياسيون الدعم المالي من الولايات المتحدة والهند، ولكن هذا المال لم يأت قط
واليوم، ليس لدى حكومة سريلانكا أي خيار سوى إعادة إحياء علاقتها مع الصين.لحسن الحظ أن سري لانكا – ومشاركين آخرين في مخطط « أوبور» – أدركوا أن نوايا الصين بعيدة كل البعد عن أي خبث، حيث إن هدفها الحقيقي هو قيادة عملية تعاون وتكامل شاملة تفيد جميع المشاركين.
وفي الواقع، قد تكون الصين أفضل بلد جاهز لهذا العمل. وفي الولايات المتحدة، طال انتظار تحديث البنية التحتية الرئيسة، حيث أن السياسة، من بين عوامل أخرى، تعرقل التقدم.على النقيض من ذلك، فإن الصين، على حد تعبير جيفري د. ساكس، أثبتت فعاليتها العالية في بناء البنية التحتية الكبيرة والمعقدة «التي تكمل رأس المال الصناعي»، وقد اجتذبت رؤوس الأموال والتكنولوجيا الخاصة الأجنبية».
وبطبيعة الحال، قد تُتهم الصين بأن لها أجندة خاصة بها في أي عمل تقوم به في الخارج. وإلى حد ما، فإن مثل هذه الاتهامات ربما صحيحة، تماما كلما تدخلت أي قوة عالمية في الخارج، أيا كان الحافز. وتهدف خطة مارشال بقيادة الولايات المتحدة ليس فقط إلى دعم إعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية ولكن أيضا فى إحياء الاسواق لفائدة الصادرات الاميركية واحتواء الاتحاد السوفيتى
وهذا لا يعني أن الصين لم تتمكن من فعل أي شيء أفضل في متابعة مبادرة «أوبور». بل على العكس من ذلك، كان من المفروض أن تكون هذه المبادرة أكثر فعالية في توضيح الأهمية الاقتصادية للربط المادي. وعلى الشركات الصينية أن تقوم بمجهود أكبر لفهم التقاليد والثقافات المحلية، وبالتالي تجنب التوترات غير الضرورية مع السكان المحليين، فضلا عن ضمان الاستدامة البيئية.
ولكن يمكن تجاوز كل هذه الثغرات – وتجري الآن معالجتها، سواء من قبل إدارة شي أو الشركات الصينية التي تستثمر في الخارج. ويكمن التحدي الأكبر في إنشاء مؤسسة لتنسيق المبادرات العديدة التي تضطلع بها المنظمة. على هذه الجبهة، لن يكون النجاح ممكنا إلا إذا تجنبت البلدان السماح للسياسة بالسيطرة على حكمها. من غير المعقول رفض مبادرة عالمية معقولة اقتصاديا فقط لأن الصين هي التي تقودها.
استبعاد السياسة عن التنمية
التعليقات مغلقة