الخشية من اللجوء الى القضاء!

سلام مكي
كاتب عراقي
نشر موقع الحرة عراق، قبل ايام مادة صحفية تحت عنوان: عراقية: أخشى اللجوء الى القضاء. وهذه العراقية، تشير الى مخاطر المطالبة بالعدالة! وثمة نساء أخريات، ورجال، شكوا من عدم وجود عدالة في العراق، وان القضاء لا يمنح الحقوق لأصحابها، وتم ذكر عدد من الأمثلة التي مر بها الأشخاص الذين اخذت آراؤهم. وتساءلت هذه العراقية: لو تقدمت بشكوى حول تعرضي للنصب والاحتيال، هل سينصفني القانون؟ طبعا لا».ولا نعلم، كيف يمكن الجزم بعد انصاف القضاء في حال اللجوء اليه؟ لو توخينا الدقة في الكلام، لوجدنا انها قالت: القانون ولم تقل القضاء، وثمة فرق بين الاثنين، فالقضاء، مؤسسة تطبق القانون، مهما كانت نصوص القانون، وما تتطلبه من شكلية وشروط لحماية من يلجأ اليها. ثم تضيف هذه المواطنة: لو تقدمت بشكوى ضد مجموعة تمارس النصب والاحتيال، سيتم استهدافها وربما تتعرض للابتزاز أو التهديد أو الخطف أو حتى القتل. فهنا، لا علاقة للقضاء بما يحصل لها حين تطلب الشكوى أمامه، فالقاضي، ملزم بأن يقوم باتخاذ جميع الاجراءات القانونية، من خلال التحقيق في القضية ومحاولة التوصل الى مسببات الحادث والجناة، ثم يصدر القرار الذي يراه مناسبا، اما بغلق التحقيق، او الاحالة اما الى الجنح او الجنايات. وهذا الأمر، قد لا يتم بسهولة، او بسرعة، فقد تستغرق عملية التحقيق، الكثير من الوقت، والجهد، خصوصا في قضايا التزوير. ما جاء بالمادة الصحفية، هو كلام يراد به جهلا، الاساءة الى السلطة القضائية، والقول للعالم: ان العراق بلا قضاء، بمعنى: غابة، يتحكم بها اللصوص والمجرمون. والا، فكيف نصف كلاما، يشير الى ان اي شخص يلجأ الى القضاء سيلاقي الاهمال وعدم الحصول على حقه. شخص آخر يقول: ضرورة الابتعاد عن فكرة تقديم شكوى قضائية ضد المعتدي، لأن «القضاء العراقي غير مستقل» حسب رأيه. ولا نعلم، اي منطق هذا. فقضاة التحقيق، ينظرون يوميا عشرات القضايا ويستقبلون عشرات الشكاوى من مواطنين وجهات رسمية، ويتم التعامل معها بنحو قانوني، عدا حالات التأخير التي هي بسبب الشكلية التي نص عليها القانون. ثم ان استقلال القضاء، امر يتداول في اروقة السياسة، وان صح هذا الكلام، فهو يذهب الى القضايا التي تتعلق بالسياسة واحكام المحكمة الاتحادية، ولا يخص القضايا الجزائية. وثمة العديد من الحوادث التي يرويها مواطنون، قد يقولون الحقيقة، لكنهم بالوقت نفسه ، يرتكبون خطأ كبيرا، حين يشوهون صورة بلادهم، في اكثر الأمور حساسية وهي القضاء. ذلك ان سمعة القضاء في اي بلد، هي من سمعة البلد بأجمعه. والأمر الآخر، ان كلامهم ينم عن جهل مطبق بالقانون، فما تعرضوا له، قد يكون صحيحا، لكن لا يتحمل القضاء مسؤوليته، بل هم يتحملون مسؤولية ما وصلوا اليه. فمثلا، شخص مدين لآخر، لم يقم بتحرير ورقة رسمية او عرفية لإثبات مديونية الطرف الآخر، وحين قصد القضاء لم يجب القضاء دعوته لأنه لم يكن يملك اي دليل كتابي على انه دائن للشخص الآخر، وان هذا الاخير ادى اليمين الحاسمة بأنه ليس مدينا لخصمه. فهل يمكن هنا، ان نلوم القضاء لأنه لم يحكم لصالح الدائن؟ الغريب في هذه المادة، انها استعانت بشخص على انه خبير قضائي، تصورت انه سيقول كلاما قانونيا، الا انه ايد الأشخاص الذين يجهلون القانون، حيث قال: ان الفساد أدى إلى فقدان الثقة بالقضاء، إذ يعمد كثير من الجناة والمتهمين إلى تقديم رشى أو استغلال السلطة العشائرية. هذا الكلام غير القانوني، اكد ان هذه المادة الصحفية ليست مهنية، ولا علاقة لها بوظيفة الصحافة التي تحاول ايصال صوت الناس، ومعاناتهم، اذ انه كلام لا يمكن ان يصدر عن شخص قانوني، مارس العمل في القضاء او ترافع في قضايا او دعاوى، وشاهد، كيف ان القضاء يصدر يوميا عشرات القرارات والأحكام التي تنال من المدانين، وتخرج الأبرياء، والقصص كثيرة، حول انصاف القضاء لشرائح واسعة من المجتمع. والقرارات المنشورة وغير المنشورة تؤكد هذا الكلام. نبقى بحاجة الى ثقافة قانونية، سليمة، كي نتجنب مثل هكذا احاديث، ونؤسس عليها كلاما مغلوطا، الهدف منه الاساءة الى اهم مؤسسة في الدولة، تكاد ان تكون اكثر تحصينا ومناعة من فايروسات الفساد التي نخرت جسد الدولة العراقية. نعم، ثمة حالات فردية تصدر من قضاء ومحاكم تخرق القانون، لكنها قليلة، خصوصا وان القضاة بشر، ويخطئون، مثلهم مثل غيرهم، لكن السياق العام لعمل السلطة القضائية هو النزاهة والحياد وتطبيق القانون.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة