بالرغم من مرور اكثر من 14 عاماً على التغيير في العراق الا ان منظومة الحريات العامة التي هي ثمرة من ثمرات التغيير ماتزال تواجه تحديات كبيرة ويشوبها التشويه وسوء الفهم احياناً وخلافاً للانظمة السياسية التي تستطيع ترويض نزعات التعصب والجنوح نحو التفرد والاستبداد في الرأي وتنجح في ارساء معالم التعددية وشيوع ثقافة الرأي والرأي الآخر فشل النظام السياسي في العراق في تحقيق هذه المهمة وفي الوقت نفسه فشلت مؤسسات حكومية وجهات حزبية وكيانات وحركات في استثمار وتوظيف مساحة الحرية التي سطر قوانينها الدستور العراقي واتاحت اجواءها النظم والقوانين المتعلقة بالحرية المدنية وقوانين حماية الصحفيين وحرية التعبير وتتجلى مظاهر الفشل في طبيعة ونهج ومضمون الاعلام والمعلومات التي اعتادت قنوات فضائية ومواقع الكترونية وصحف واذاعات حكومية وحزبية تتولى مهمة البث والنشر بهدف التأثير في الرأي العام والتفاعل معه والتضليل الكبير في مضمون التغطيات الاعلامية لاحداث كثيرة وقعت وتقع ويتفاعل معها جمهور مختلف ..وقد اثبتت الاحداث السياسية في العراق ان الشروع بتطبيق أية آليات من شأنها حلحلة الملفات الشائكة بين مكونات الشعب العراقي وممثليه في السلطات التشريعية والتنفيذية لايقتصر فقط على الجهود السياسية وانما يحتاج الى تعزيز ودعم برامج الاعلام بكل اشكالها وفنونها ..بما يؤدي في النهاية الى التوحد في المواقف وارسال رسائل اعلامية وطنية تجتمع على الشأن الوطني وتتفق على مايهم مصيرنا كعراقيين وبغياب هذه الرؤية وبغياب هذا الاجماع في المفصل الاعلامي الوطني تزداد الشروخ وتتباعد المواقف وتفشل مؤسسات سياسية تمتلك قنوات وصحفاً واذاعات ممولة ومدعومة بملايين الدولارات في رسم معالم النجاح للاعلام الوطني وتفرط بمساحات الحرية وفرصها في العراق الجديد ..فما هو موجود على ارض الواقع اليوم فوضى اعلامية وانتهاكات متكررة لاخلاقيات اجتماعية وخلافات حول تفسير بنود قانونية تتعلق بحرية الاعلام في العراق وحرية التعبير وتنازع على توظيف هذه الحرية داخل الحكومة وداخل قبة مجلس النواب ينتهي الى تراجع خطير في هذا الملف يدفع ثمنه آلاف الصحفيين والعاملين في مؤسسات الاعلام في العراق وفي الوقت نفسه زعزعة ثقة الرأي العام بمقدرة النظام السياسي في العراق على تأسيس مؤسسات اعلامية تتوفر فيها مقاييس التنوع والحرية وتؤدي عملها بمهنية وموضوعية على وفق مبدأ التوازن .
د.علي شمخي
تضليل الحرية
التعليقات مغلقة