تفعيل عمل السلطة الرقابية مسألة طبيعية، بل أن واجبها الأساس السؤال عن كل شاردة وواردة، وإستجواب المقصر ومحاسبته، إلاّ أنه ليس من الطبيعي أن يكون الإستجواب لأهداف حزبية وإنتخابية وتسقيط سياسي.
الطبيعي أيضاً تحقيق مكسب شخصي وحزبي للمُستجوب، من خلال كشفه للفساد وهدر المال، ولكن ليس من الطبيعي إستثناء حزبه وجماعته ومن يمكنه إبتزازه.
لم يحصل المواطن من الضوضاء السياسية، سوى حُقن الشعارات والوعود، وحديث المجاملة والمزايدة، وتجرع مرارة الحرمان والقتل والإرهاب والموت السريري، وكأن الدماء التي قدمها هي عينات لإختبار الصبر والبلاهة والبساطة والطيبة والوطنية؛ في بلد نهشه الفساد وطفحت ملفات فساده أمام أنظار الكبير والصغير.
كم مِنْ سياسي قاتل إعلامياً عن الطائفة والحزب والعشيرة، وكم مواطن صدق وإستقتل وصار أكثر قتالاً، ولكن الكل يُجمع على وجود فساد بملفات كبيرة وتواطؤ ، وإتهام آخرين وتبرئة النفس، ورأي بعين واحدة، وإذا كان الغرض سياسيا في معظم الأعمال والتصريحات بهذه الشاكلة للحزب والشخصنة، فمن يُدل بعض على مشتركاته مع الآخر؟! والسؤال الأكثر جدية لماذا يوجهون سهامهم للعملية السياسية، وهم على دراية بمعوقاتها وأدوات عرقلتها، أن لم يكونوا هم سبب التعطيل والإبتزاز والفساد؛ في وقت ليس كل ما يثار وما ينشر بالضرورة صحيحا ؟!
إن الإستجواب والرقابة سمة صحية للعمل السياسي، إلاّ أن المصداقية بإخلاص العمل من دون تأثيرات حزبية، والأصدق أن تبدأ الأحزاب والتيارات بعرض من أفسد منها للسلطة الرقابية والقضائية والتنفيذية، ولكن المحاسبة داخل الأحزاب فقط أو عزل من يخالف سياستها ومصادرة أمواله وإعتقاله، فهذه دولة في داخل دولة وتمرد أكبر من الفساد ذاته.
الإستجواب أحد أدوات إعادة هيبة الدولة ومحاسبة المسيء، ولكن الأهم منه المراقبة والنصح والتصحيح؛ لا جمع الملفات كورقة ضاغطة.
يفترض بالإستجواب والرقابة، أن يكون بعيدا عن المآرب السياسية، وإحتمالات عدة لتصاعد وتيرة الإستجوابات والإتهامات قبيل كل إنتخابات، ولكن أن يكون الحكم مسبقاً، فيعني ان هذا الإستجواب سياسي، ومجرد إسقاط شخص من دون البحث عن الملاحقة القانونية، ولا فائدة من الإستجواب، ومن ثم الوزير ليس وحده مسؤول عن الوزارة، وفيها مدراء عامون ومناصب كبيرة ربما كثير منها لا يخضع لسيطرة الوزير، وهل بحث المُستجوبون عن الدرجات الخاصة والمدراء العامين بالوكالة، وهم بإنتماء لأحزابهم، ولا أحد له سلطة عليه سواهم، وثم لنسأل المُستَجوِب: لماذا لم يفعل دوره الرقابي، قبل جعل الملفات تتراكم، ليستعملها كورقة ضاغطة وإبتزاز للمستجوَب؟!
*كاتب عراقي
واثق الجابري