لايمتلك الكثيرون ممن انخرطوا في الصراع السلطوي القيم الاعتبارية والروحية التي يرتبط بها أي انسان على وجه الخليقة مع وطنه وتغيب عن هؤلاء الصور والعلائق الحية بين من تربوا وتعايشوا داخل الاوطان ولربما اسهمت الثقافات السياسية المشوهة كثيرا في انحراف تفكير المنغمسين في التنافس السياسي ..مثل هؤلاء لايرون الوطن سوى ساحة تنافس وصراع للاستئثار بالمكاسب والمصالح ..والنجاح بالنسبة لهم هو في تصدر عناوين الفوز بالمناصب وازاحة الاخرين باي ثمن ..وفي العراق دلت الاحداث الكثيرة والمتنوعة التي صاحب التغيير في العراق وسقوط نظام سياسي امعن كثيراً في تشويه معاني الوطنية على هذه الحقيقة وكشفت وعرت هذا التسطيح في النظرة الى الوطن ..وفي حين كانت الملايين تنتظر ان يكون المشهد الاخر بعد 9 نيسان عفوياً ورحيماً وعادلا وحانياً على حياة من ظلموا وهمشوا وضيعتهم سنوات الاستبداد والديكتاتورية ..فجع العراقيون وصدموا بصفحات هذا المشهد ووجدوه داميا فوضوياً مثخناً بالانتقام ومكللا بالجروح تتداعى ايامه كما تتداعى الليالى الظلماء على منتظري الفجر حيث لم يحصد هذا الشعب الحزين والمقهور سوى الخذلان بعد مرور اكثر من خمسة عشر عاماً وبات واضحاً ان من اسرعوا في القدوم لم تكن لهفتهم لانقاذ مايمكن انقاذه او لاجل تضميد جروح وخابت الظنون بالموعودين الذين لطالموا تحدثوا امام عدسات التلفزة عن التعددية والديمقراطية والعدالة والرحمة بديلا للقهر والعبودية والحرمان ..وقد كشفت الايام والسنون مظاهر الزيف الذي تلفع به سياسيون مخادعون امنوا بأن الوطن مغنم كبير تعاهدوا في اجتماعاتهم واتفاقاتهم ومحاصصتهم على تقطيعه واقتسامه بعدالة الجائع والمنتقم وصموا اذانهم عن سماع اصوات المحرومين وتركوا خلف جدران عازلة مشاهد الموت والخراب ولم يشفقوا على حال من افترستهم ذئاب جديدة بثياب جديدة وقد حانت لحظات الاعتراف بالفشل والتقصير والاعتذار من الشعب العراقي المخذول ..وهاهو العراق يعطي العالم درساً في الخيبة والخذلان ولسان حال شعبه يقول مثلما قال المتنبي للدنيا التي خذلته وتنكرت له
أظمتني الدُنيا, فلما جئتُها
مُستسقياً مطرت علي مصائبا
د.علي شمخي