صباح محسن كاظم
فنطازيا الواقع العراقي بمفارقاته وانعطافاته وتحولاته وحروبه التي لم تنتهِ ..انعكست بالمنجز الإبداعي للأديب (مهدي علي ازبيّن ) في نصوصه القصصية والشعرية التي تُحاكم المراحل و تحمل الإدانة والاحتجاج والرفض للقبح والظلم والعنف ..بين يديّ 3 إهداءات (مخاتلة ) الصادر عام 2011 /ب93 صفحة /سلالم التيه /2013 ب112 صفحة / بياض قاتم 2013/ب82صفحة –صدرت تلك المؤلفات عن (دار عدنان)/ بغداد..
قصص ونصوص من الواقع الذي يعج بالأحداث والمتغيرات والتقلبات كأن مناخه لا يستقر على حال ليومٍ واحد ،كتبها بروح تهكمية ،روح مشمئزة ،رافضة لفعل الاستبداد والاستئثار والعنف بزمن الدكتاتورية والحرية .. زمن الحصار وزمن الانفراج؛ زمن الفردية وزمن التعددية ؛ تتداخل الأزمنة والشخصيات والابطال بتلك السرديات ،البناء السردي اعتمد الومضات ،والقفشات المستلة من جزئيات حيواتنا المكتظة بالمرارات. فالراوي العليم «إزبين» أتقن بث الحكايا وتوصيف المعاناة والخسارات ، وإيحاءات السرد بالضياع وانعدام الأمل زمن الدكتاتورية وبعدها ووجوم ما نحياه وهباء السعادة التي افتقدناها بأزمنتنا التي غادرها الفرح، نصه السردي كتبه بلغة عالية وبراقة تميل إلى الشعرية ..والترميز.. والتكثيف بسياق البناء السردي الذي امتاز به المنجز الإبداعي لمهدي علي ..وفي عملية الكولاج الإبداعي القص والترقيع والتضمين لحكايا وأحداث مرت بسريالية يتساءل المُتلقي والقارئ من خارج الجغرافية .. هل تلك الأعباء والمعاناة حقاً تحملها شعب العراق !؟.. أي صبر ذلك ؟؟ .بالطبع نجح كثير من القصاصين والروائيين العراقيين والذين كتبت عن منجزهم ،وسأستمر بذلك لتصوير الواقع الفنطازي برؤية جمالية متهكمة مما حدث ويحدث ..وزبين أحد أولئك الذين اشتغل بمشغله السردي وبنصوصه المُدهشة لرواية سرديات الفواجع العراقية بالتداعي لأحداث تشوه جمال الوجود بفقد الأحبة بالحروب من فلذات الأكباد كما حصل له ،وكما تودع الأمهات والآباء الأبناء يومياً منذ (5) عقود من المقابر السرية إلى المقابر العلنية من عام (63) وقرصنة البعث الفاشستي الدموي ..إلى يومنا الكئيب بلصوص السياسة ،والمال، والتآمر المُريب على الوطن وأبنائه وتاريخه وأرضه ومياهه.. تقنياته السردية اعتمدت فيها التكثيف للجمل، والترمي للإحالة للواقع المؤلم، ولغة شيقة غير مقعرة بتهويمات تتعالى بجوفية فارغة على المُتلقي . في معلبات الخوف في (مخاتلة) ص 9: (أسير على رصيف قاحل من المارة في يوم لاشمس فيه ،أسمع وقع أقدام ثقيلة مندفعة خلفي ،وأنا المغلف بالخوف يستبطنني الرعب ،تتداخل أصوات متلاحقة «توقّف ..توقّف». الأصوات تشل حركتي معطلة كل خلايا الحس ..أبطيء من خطوي ،داساً رأسي بين كتفي .ذراعاي تتوقفان عن الحركة، وأصبح كدجاجة تتموضع كي يطأها الديك ………..) سايكولوجية الرُعب في تلك النصوص التي تسرد الهلع ،والذُعر، والريبة من العنف اليومي .وكما في نص( تخاطر) ص 47 من نصوص «بياض قاتم» :
تسوّرني ذراعان غادرتهما العافية ‘ بعظام معبأة بجلد متغضّن ،تتشابك أصابع معروقة تضمّني إلى أضلاع نافرة تتلاهث. باطن القدمين تتشبّث ببقايا الكرب الناتئة من جذعي. يتزاحف الجسد المشرنق في دوّامة الارتعاش تاركاً الأرض في محاولة اصطياد النجوم ،فالليل حطّ بعد نهار متبلّد القسمات….).