البراغماتية كوصفة للحكم

يحتاج أي حكم، بما فيه الحكم الشمولي، الى نوع من التعاطي البراغماتي مع احداث معقدة لكي يحقق مصالح لا يمكن له تحقيقها بالسياسة المبدئية، لكن الاستطراد في السلوك الراغماتي يعني ان يتحول الحكم الى مهرج في سوق الخردة.
الى ذلك ففي اكثر من تصريح وتلميح، وفي غير مرة واحدة من السطور المكتوبة، وفي عدد من المحافل والندوات، يطلق سياسيون ودعاة وكتبة عراقيون الدعوة الى البراغماتية كمنهجية شرعية لعرض الخيارات والافكار والتنافس على المواقع والامتيازات، والبعض يبشر بنوع «محسن» من البراغماتية على اساس المحاصصة و»اسكت عليّ اسكت عليك» مقابل مَن يشتم البراغماتية بعد ان يضمها، جهلا، الى العولمة والليبرالية والشيوعية والكوسموبوليتية والسادية والوجودية والاباحية، والبعض الآخر يحيطها بريبة، من جنس الريب التي تحاط بها، عادة، الاصطلاحات الاجنبية الغريبة، فكل ما يأتي من وراء المحيط يجب التوجس منه والتحسب من قدرته على غزو العقول.
وطبعا، ثمة من رفع شعار البراغماتية فوق جميع الشعارات في ظروف اختلطت فيها الشعارات ببرك الدم، وعدّها «المنقذ» والوصفة الجاهزة والفلسفة السياسية المطلوبة وخشبة النجاة للوصول الى الديمقراطية المنشودة، واخذ منها اجتزاءات، فوظفها في غير موضعها، واستند فيها الى تعريفات من غير سياقها، وصعد فيها، ومنها، الى صورة ساذجة تبيح لاصحابها «اللعب على الحبال» باعتبار ذلك جوهر البراغماتية ومعناها في التطبيق.
وفي هذا الجو من التضبيب والاضطراب المفاهيمي والسياسي، ينبغي التذكير بان البراغماتية توصيف ابتدعه الانموذج الاميركي في الحياة السياسية. انها الطبيعة الامريكية في التصرف واسلوب العمل، وهي –في تعريفاتها المدرسية- تعني الوسيلة العملية او الذرائعية او التبريرية التي تحقق فائدة آنية، ولا يهم ان تتم بشتى الاليات غير الاخلاقية، لكنها القانونية في الوقت ذاته ، وبمعنى آخر هي العمل اللااخلاقي في اطار القوانين المرعية، ويختصر « ساندرس بيرز» مؤسس المذهب البراغماتي (اواخر القرن التاسع عشر) مذهبه بالقول ان جدوى أي مشروع وفكرة تتحدد في نتائجها، وقد ساعدت هذه الفلسفية في تفريخ مذهب «الغاية تبرر الواسطة». ولنتذكر، للفائدة، الطريقة الدعائية المحمومة للتنافس بين المرشحين الديمقراطيين للرئاسة الاميركية، هيلاري كلنتون وباراك اوباما، إذ استعمل الطرفان كل الاساليب اللا اخلاقية في التشهير ببعضهما فيما هما من حزب واحد، ثم سرعان ما ائتلفا بعد ان انتهت جولة التنافس على الترشيح.
وللعلم، ايضاً، فان الكثير من الدراسات والمعاهد والهيئات والزعامات السياسية الاوروبية ترفض الفلسفة البراغماتية، وتعدها بمنزلة وصفة اميركية خاصة للتنافس في ساحة العمل والسياسة والحياة، وتطعن في نظرية «النتائج هي الاهم» وفي نزعة اقصاء الاخلاق عن السياسة.
وإذ نقترب من الصفحة الثالثة من تجربة الانتخابات التعددية فان البراغماتية تدق ابوابنا باسوأ العناوين وصور التنافس، وسيكون مفيدا، كلما يحمى الوطيس، ان نؤشر بعض الالاعيب والمسرحيات والصفقات التي يعلن اصحابها «المهم هي النتائج، وجميع الاساليب مشروعة» والفارق ان اصحابنا لا يقبلون بجميع النتائج، فبعضها يقتضي الحرب.. وقطع الرقاب.
ـــــــــــــــــــ
ادوارد ليوتن:
“ كن سيد الافكار لا عبدها “
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة