في “التيت مودرن” الجمهور يستلقي على الأرض لمشاهدة المعروضات

لندن – ابتسام يوسف الطاهر:
في أحد معارض التيت مودرن تشاهد العديد من الزوار مستلقين على ظهورهم كما لو انهم في احدى الحدائق العامة، وبدل العشب الأخضر، فرش على طول القاعة سجاد من نوع الكاربيت، خصيصا للتمتع بالعرض الاول من نوعه.
يعتمد العرض على الضوء، والصوت، وانعكاس الاشكال بأحجام وقياسات متعددة. علق بعضها على السقف العالي، ومع امتزاج صوت الموسيقى، وصوت هدير البحر، واصوات اطفال من بعيد، وهمس متنائي ناقلا حياة الخارج للداخل، ثم ترى تلك الالواح تتناوب صعودا ونزولا بتناغم، كما لو انها تؤدي رقصة، ثم وبسرعة يتحكم بها المهندس خلف الكواليس لتهبط سراعا، فما بين الضحك والخوف تتوقع انها ستسقط على رأسك، لكنها تتوقف على مسافة قريبة من وجهك، فتمد يدك محاولا ملامستها، ثم تتناوب مرة أخرى لكن ارتفاعا، لتواصل رقصتها. فتنعكس اضواؤها على شاشة بيضاء في جانب اخر من القاعة، لتتداخل اشكالا بالأبيض والاسود متناغمة ايضا مع صوت الموسيقى تارة، واصوات الحياة الهادرة تارة اخرى.
ومع صوت البحر يتفاجأ الجمهور بأسماك ملونة كما لو ان البحر لفظها، فارتمت على قضبان الحديد التي علقت عليها تلك الالواح المدلاة من السقف، وقد شكلت تلك الاسماك من ورق ملون.
فالتيت مودرن هو متحف وملتقى لكل ما هو حديث، وما بعد الحداثة أيضا، فمعظم العروض تتميز بتفردها بالفكرة والتنفيذ، وبغرابتها، فأحد العروض السابقة كان عبارة عن كتل كونكريتية هائلة تمتد على طول مدخل القاعة الرئيسة، لمسافة لا تقل عن كيلومتر تقريبا، ويخترق الارض الكونكريتية تلك، شرخ واسع يقطعها طوليا، ليوحي بأثر هزة أرضية، او زلزال. وهذا العمل لايمكنك ان تشاهده كاملا من دون ان تصعد الى الطابق الثالث، او الرابع لتطل عليه من الاعلى.
لذا فقد تميز هذا العرض بطريقة مشاهدته، فانت تتمتع بالصورة والصوت وانت مستلق على ظهرك،
“التيت مودرن” هو ملحق لمتحف “التيت غاليري”، أحد المتاحف الشهيرة في لندن، وله فروع في مدن اخرى بريطانية مثل مانشستر، وغيرها. وهو متخصص بعرض الاعمال التشكيلية، واللوحات الكلاسيكية لفنانين من شتى العصور، مع عروض خاصة لفنان ما، تجمع اعماله من انحاء العالم. وهذا العرض الخاص يكون الدخول له بتذاكر. فالدخول عادة يكون مجانا، عدا المعارض الخاصة التي تقام بصفة دورية.
فمتحف “التيت مودرن” وجد للفن الحديث، ولإنشائه، ثم استغلال بناء قديم لمحطة لتوليد الكهرباء على ضفاف التايمز، اعيد بناؤها لتصبح معلما سياحيا جميلا.
تم إنشاء المعرض في عام 2000. فقد طرحت مسابقة لبناء متحف لاستيعاب الابداعات الفنية الحديثة. وفي عام 1995 أعلن “أن هرتزوغ” و”دي ميرون” الفوز في المنافسة بتصميم بسيط، وهو إعادة بناء المبنى القديم للمحطة، بدلا من تدميره. فمتحف “تيت مودرن” هو مثال على إعادة التكيف، وعملية إيجاد حياة جديدة في المباني القديمة. مع الاحتفاظ بالمبنى بشكله الخارجي، فما يزال يشبه المصنع الذي بني في القرن العشرين في اسلوب البناء من الخارج، كذلك انعكاس بعض التكوينات في الداخل من جدران رمادية، وعوارض صلبة، وأرضيات خرسانية.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة