“الحرب لاتربحها وظائف الانشاء.. ولا التشابيه…. ولا النعوت ….والاسماء” هذا ماقاله الراحل نزار قباني ضمن قصيدته الخالدة (هوامش على دفتر الهزيمة) التي سجل فيها ماجرى في حرب الخليج الثانية، وهو يشير الى الهزيمة الاعلامية والنفسية قبل الهزيمة العسكرية لقوات صدام الذي اوقع العراق نتيجة مغامرته يومها في مطبات وكوارث لاحقة مازالت آثارها السياسية والعسكرية والاقتصادية والنفسية قائمة الى اليوم.
وكلمات الشاعر تعكس التخبط الاعلامي والثقافي العربي والعراقي حينها، والذي كان يقلب الحقائق بسذاجة، ويسعى لتسطيح ذهنية الجمهور والعبث بعواطف وانفعالات الناس، ومن هنا يتم تشييد سياج التعصب القومي والطائفي والديني، ومن هنا تبدأ هندسة كراهية الاخر الغربي او الايراني او العربي، ومن هنا تنطلق اساسات رسم صورة البطل الاسطوري الذي لا وجود له الا على اغشية طبول المطبلين وفي اذهان نافخي الابواق الانتهازيين.
لكن للاسف مازلنا نوقع انفسنا في الخطأ نفسه، وننتهج الاسلوب نفسه، فالحرب لاتربحها وظائف الانشاء بل تربحها عبقرية الاذكياء، يربحها من واكب حركة العالم، ونسعى بكل ما اوتينا من قوة الى فهم المعادلات الخفية التي تحكم عملية صناعة الرأي، ان نتعلم فن التاثير في الاخر واقناعه لايعني ان نمتهن الانشاء واللغو والتحريض الاجوف.
في الاعلام اليوم مازال لدينا مئات الابواق ومثلها من الطبول، لم تتغير الاساليب، فمازلنا ندمن تجارة الكلام، مازلنا نحترف وظائف الانشاء، مازلنا الابعد عن الدقة والموضوعية، لذلك نستسلم لهجمات الفضائيات الكاذبة والجيوش الالكترونية المدفوعة الثمن، التي تعبث بعقول الناس لتحول بلادنا الى اكبر معمل للطاقة السلبية في العالم.
الاعلام لدينا اما طبشور ابيض على سبورة وردية او قلم اسود على صفحة سوداء، لا ادري لماذا مازلنا نخشى الكتابة على صفحة بيضاء.
عباس عبود سالم
الإعلام ووظائف الإنشاء
التعليقات مغلقة