قاسم سعودي
من أكثر اللحظات دهشة وشغف ، هي تلك اللحظات التي تكتب فيها نصاً للطفل ، شعور عجائبي وسحري فاتن ، لا تضاهيه رئة قصيدة مضيئة هنا أو هناك ، على صعيد الشعور الداخلي طبعاً ، رغم الإقرار بصعوبة الكتابة الجيدة والخاطفة لذهن الطفل ومزاجه وثقافته المكتسبة وذائقته العنيدة بعض الشيء .
ربما يعود ذلك إلى ضعف الثقافة الذاتية الخاصة بكتابة أدب الطفل ، لاسيما في تلكؤ اختيار الموضوعة القصصية المحفزة لخيال الطفل وثقافته ووعيه الجمالي الطموح ، مع قلة الأقلام النقدية التي تتناول المنتج القصصي للطفل الموهوب وغيابها الواضح في المشهد الثقافي .
ما هو مطلوب وحتمي ربما في الكتابة للطفل ، الابتعاد عن المباشرة قدر المستطاع ، نعم ثمة فئات طفولية تحتاج إلى الطرح المباشر ، ولكن ما أشير إليه هنا هو الفئة العمرية « 8 إلى 12 « وربما أكثر قليلاً ، الفئة التي يتشكل وعيها بشكل متسارع ودقيق ، إلى التقاط الكثير من الأشياء المبهمة والتي تحتاج دائما إلى أجوبة سحرية جاذبة .
ربما الالتزام بالموضوعية وروح المعاصرة وبمفردات المعرفة التنويرية في الموروث الحضاري للأمم ، وما يصاحبها من بهجة التنوع والوعي والمغايرة والتطلع ، هي دلالات الأفق الأوضح والأذكى ، في جذب هذه العقول الفتية صوب مضمار التلقي الأبيض، وخصوصاً مع سيادة صيغة المقالة على بعض ما يكتب في أدب الطفل ، وما يتبعها من دلالات الوعظ وخطاب الإرشاد المباشر ، صراعات الخير والنشر ، وتكرار أنسنة الحيوانات ، وكأن الطفل سبورة بيضاء قابلة للمحو والمغامرة الكتابية والأفكار الجاهزة . فأدب الطفل ليس حقلاً للتجريب ، بمقدار ما هو أمانة كتابية تتشكل من حساسية إنسانية صادقة ، تتفاعل بوعي مع ذكاء الطفل وتطور وعيه وخياله .
قلة الملتقيات النقدية الخاصة بأدب الطفل والورش والأمسيات الخاصة بالأطفال ، الذي يكتبون القصة من أصحاب المواهب ، قد يكون ملمحاً واضحاً في المشهد الثقافي العربي رغم الجهود المبذولة بهذا الشأن ، الجهود التي أرى أن توجه بوصلتها نحو ضرورات تفاعلية أكثر وأعمق، وأقصد هنا إعطاء مسافة أكبر لحلقات نقاش عملية يشارك بها الأطفال أنفسهم ، أطفال يكتبون ، أطفال يناقشون ، أطفال ينقدون ، ثلاثية جمالية ستعمل بلا شك على خلق المناخ الإبداعي الكفيل بتطوير أدائهم القصصي والإنساني والمجتمعي .
ويبقى تنشيط الحضور القصصي الخاص بأدب الطفل على شبكة الإنترنيت مطلباً واقعياً مهماً ، لا سيما مع قلة المواقع الأدبية الإلكترونية التي تسلط الضوء على المنتج القصصي الطفولي ، وتنامي ذلك التفاعل الجاذب للطفل مع الثورة المعلوماتية بكافة طرائقها المتجددة ، الذي يشكل بحد ذاته ضرورة واعية لتعزيز وتشجيع تلك الرؤية الثقافية التي تراعي التطور التكنولوجي كجزء من الواقع المجتمعي المتحرك .