حين تحط رحالك في الجبايش فأنك سرعان ما تستنشق عبير جنوبنا الجميل ، ،الطيبة والكرم والمحبة , وجمال الروح ، سمات يتميز بها ابناء الجبايش الذين يربو تعدادهم على 55 ألف انسان ، وربما استمدوا هذه الصفات من عمق الهور الذي يحتضن مدينتهم ، فهو مصدر الخير والنماء ، وهو موطن الجمال والمحبة والبهاء ، ,منطلق الثورات وموطن الجهاد المعمد بالدماء، .. ولو قدر للقصب والبردي ان ينطق لروى لنا حكايات وروايات عن قصص العشق والثورات وماتعرضت له الاهوار من محن وبلاء .
أبناء الجبايش الذين يعيشون على خير الهور يعانون شظفاً في عيشهم بعد ان شح الهور عليهم بخيره ولم يعد كما كان في يوم ما ، معطاء يمور فيه الخير مور النار في الحطب ، فالأسماك التي تعد المصدر الرئيس للحياة هناك لم يعد وجودها اقتصادياً انما اصبحت شحيحة بعد ان جفت مياه الهور ثم عادت مرة أخرى ، وطيور الهور هي ايضاً لم تعد بمأمن فآثرت الرحيل بعيداً .. هكذا بدت لنا احوال الحياة في قضاء الجبايش ونحن نحط رحالنا في مضيف للشيخ لبنان الأسدي شيخ عشائر بني أسد في الجبايش الذي يقع على حافة الهور .. وفي المضيف تحدث لنا خبير الاهوار جاسم الاسدي عن الكثير من التفصيلات المرتبطة بحياة الناس وما اصابها من تدهور خلال العقود الماضية بسبب سياسة التجفيف الرعناء التي انتهجها النظام السابق لقتل الحياة في الاهوار.. ثم بعد ذلك التنافس على المياه بين تركيا والعراق وسوريا ، الامر الذي نتج عنه تراجع في معدلات مياه نهري دجلة والفرات ، كما ان خطة وزارة الموارد المائية لغمر الاهوار بالمياه لم تكن موفقة بسبب استثمار كميات كبيرة منها في زراعة (الشلب) في محافظات الوسط ، وبالتالي فإن كل هذه التحديات ستعرض الاهوار التي تغفو على مساحة 6 آلاف كيلو متر عبر ثلاث محافظات ، ربما إلى الجفاف مرة أخرى بسبب العجز عن توفير المياه المطلوبة لغمرها بالكامل .
ويشكو رئيس مجلس محافظة ذي قار السيد حميد الغزى الذي كان يحمل حماس عالي نحو النهوض بواقع الاهوار لاسيما بعد ضمها إلى لائحة التراث العالمي ، قلة التخصيصات وعزوف المستثمرين ما ابقى الاهوار على حالها .. لذلك اعتقد ان من المناسب جداً الالتفات إلى هذا الواقع المؤلم من خلال إعادة النظر بخطط وزارة الموارد المائية المتعلقة بسياسة غمر الاهوار بالمياه من أجل ضمان استمرار الحياة فيها ، هذا من جانب ، ومن جانب آخر السعي نحو فتح آفاق الاستثمار أمام المستثمرين لإقامة المرافق السياحية ،. وان ما نشير اليه ليس صعباً أبداً في ظل بيئة أمنية مستقرة ، اذ ليس من المعقول ان يأتي السائح ولا يجد فندقاً او مطعماً او مقهى ولا حتى مرافق صحية مع بعد المسافة التي تفصل الاهوار عن مراكز المدن ، والأمر لا يتوقف عند ذلك ، فالأهوار تحتاج إلى (مشاحيف) آمنة تختلف عن مشحوف ابي حيدر الذي كاد ان ينقلب بنا في الهور عدة مرات خصوصاً عندما يشدو ابو حيدر بصوته الجميل فيتمايل القصب والبردي وتتراقص مويجات الماء طرباً وربما حزناً على واقع الحال .. الاهوار فيها خير وفير يمكننا استثماره لو أردنا ذلك.
عبد الزهرة محمد الهنداوي
(الجبايش).. الكنز المنسي!
التعليقات مغلقة