أكد على أهمية التجربة في إغناء الأداء الصحفي
بغداد- احلام يوسف:
في مبادرة مميزة من قبل كلية الاعلام في جامعة الاسراء، وجهت دعوة الى رئيس تحرير جريدة الصباح الجديد، اسماعيل زاير، للحديث عن تجربته الشخصية في عالم الصحافة، وعن اهمية قانون حرية التعبير في خلق صحافة انموذجية مهنية.
المحاضرة كانت مهمة لما ذكره زاير من معلومات حول الصحافة العالمية، والطريقة التي يتعاطى بها اعلاميو الخارج مع تلك المهنة التي ما زال الكثير يجهل قيمتها واهميتها .
استهل زاير حديثه بالقول: ليس من الممكن، ولا من المقبول، ان يشتغل احدنا في الاعلام لمدة 10 اعوام او ما يزيد عليها، من دون ان يوجد لنفسه مكانا، وتكون له بصمة خاصة، وتجربة مميزة.
ثم بدأ بسرد قصة رحلته مع الاعلام الغربي قائلا: حالفني الحظ بان انتقل الى اوروبا في وقت مبكر، وتحديدا الى العاصمة البلجيكية بروكسل، مقر الاتحاد الاوروبي، بعد ان كنت قد عملت في الصحافة العربية، وهذه التجربة، انا فخور بها للغاية، ولعدة اسباب ساتطرق اليها لاحقا، عندما انتقلت الى المناخ الاوروبي، اكتشفت ان لدي نواقص بالعدة الصحفية، بالمقارنة مع BBC وCNN والصحافة العالمية الكبرى بنحو عام، وخلال الفترة اللاحقة، تحولت الى صحفي عالمي.
يقول زاير انه اكتشف في اثناء عمله هناك ان الصحفي العربي بنحو عام، والعراقي بنحو خاص، تكون العاطفة الفكرية احدى وسائله في نقل الخبر، واكتشفت ان ذلك لا يصلح للمراسل الصحفي: لذلك فان بعض المحترفين يخبرون اي صحفي بجملة قد تكون صادمة للكثير منا وهي «انت ليس لديك راي» فالصحيح ان ينقل الصحفي الخبر كما هو، من دون تزييف، أي من دون مبالغة، اضافة الى اننا لدينا ايضا انطباع خاطيء عن مفهوم الصحافة وهو ان الصحافة تعني حصرا «الجريدة»، لكني اكتشفت ان الجريدة هي جزء عائم مما يسمى بجبل الجليد في المحيطات، فجبل الجليد لا يظهر منه الا 10% من حجمه الحقيقي، فالعملية الاعلامية كبيرة، والجريدة هي ذلك الجزء العائم البسيط منه.
تطرق زاير الى موضوع الصحافة الاستقصائية، من حيث اهميتها، وخطورتها، وايضا عن طبيعة تعاطي مجتمعاتنا معها، وقبلها طرح سؤالا فيما اذا كنا نملك من الاصل هذا النوع من العمل الصحفي. وقال: هل تنجح الصحافة الاستقصائية في مجتمعات مبنية على عناصر اجتماعية غير سليمة؟ بالتأكيد لا.
وتابع زاير: نسمع عن شيء اسمه حرية التعبير، والوصول الى المعلومة، وهناك مفهوم قاصر، فحرية التعبير في العالم المتقدم، حرية ذات طابع قانوني، محمي وصارم، لا يدخله الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.
ذكر زاير مثالا عن مفهوم وابعاد حرية التعبير والوصول الى المعلومة في اوروبا وقال: جميع الاتفاقيات والنصوص القانونية، يجب ان تكون متاحة للجمهور على الموقع الخاص بهذه الوزارة او تلك المؤسسة، ويمكن ان نطالبهم بنحو مباشر، لا بل ان الحق بالحصول على المعلومات لا يقتصر على الصحفيين فحسب، بل ان جميع المواطنين لهم حق الحصول على المعلومة ان ارادوا ذلك، وحتى الاجانب المقيمين في تلك البلدان، لهم الحق ايضا في الحصول على المعلومة، فمثلا اتفاق التجارة الحرة بين بلدان الاتحاد الاوروبي، واليابان، فانا ان كنت تاجرا، سيهمني ان اعرف تفاصيل تلك الاتفاقية، كي اعرف شكل التنافس بطريقة قانونية سليمة، حرية التعبير هناك تضمن لك الحق باجراء اللقاءات مع بعض رؤساء الدول والوزراء والقادة،بشرط ان اعلن عن السبب. وهنا اسأل، هل لدينا على ارض الواقع هذه الرفاهية للحصول على المعلومات .. لا، مع ان العراق يتميز عن جميع الدول العربية بميزات دستورية ممتازة، بكون حرية التعبير، حرية دستورية.
شرح زاير معنى ان تكون حرية التعبير مكفولة بالدستور وقال: ان هذا يعني فيما لو انك فكرت بتأسيس جريدة، فلن احتاج الى الحصول على موافقات من وزير المالية، ووزير التجارة، او المخابرات وغيرها، فلكلّ الحق في ان يعبر عن رأيه بالطريقة التي يجدها اسلم وافضل، سواء من خلال صحيفة، او تلفزيون، او غيرها، لذلك فالمخاطر، والخلل، والانتهاكات التي تحصل للحرية الدستورية، افضل مما اذا اشترطنا قوانين، وقواعد، واجراءات عقابية، في حال اردنا ذلك.
ذكر زاير ان السنوات التي اشتغل بها في الاتحاد الاوروبي، صنعت منه صحفيا متمرسا، وقال: استمتعت بحصولي على المعلومات، والوثائق، وحضور المؤتمرات، حيث كنت أُعد واحدا من خبراء الاتحاد الاوروبي في شؤون الشرق الاوسط، وكان اتقاني للّغة الانجليزية احد اسباب وصولي الى هذه المكانة، اضافة الى خبرتي الصحفية.
تحدث زاير عن اهمية اللغة الانجليزية للصحفي بنحو عام، وليس لمن يعمل في اوروبا فحسب: هذا لا يشترط فقط على الصحفي العامل في اوروبا، بل مهم جدا، هنا في العراق، لانك تستطيع تتبع الاخبار من منبعها.
نوه زاير الى نقطة مهمة في عمل الصحافة هناك وهو الشراكة اليومية، والجادة ما بين الصحفي، والمسؤولين الاساسيين في الاتحاد الاوروبي، وهو ما يدفع المسؤول الى عقد اجتماع خاص من دون تسجيل، ويكون ذلك قبل يوم من انعقاد أي مؤتمر صحفي، يتحدث به المسؤول عن تفاصيل موضوع ما، يستطيع الصحفي على اساسه تكوين صورة واضحة عنه، بكل تفاصيله وجوانبه، وبالتالي سيطرح الاسئلة المناسبة في اثناء عقد المؤتمر.
الثقافة العامة واهميتها بالنسبة للصحفي كانت احد المحاور التي تحدث عنها زاير في محاضرته، وذكر فيها حواره مع اخيه ابراهيم زاير، الذي كان يكتب يومياته بنحو مستمر، وعندما سأله عن السبب في كتابة تفاصيل اعتيادية قال له: ان كتابة اليوميات هي الخيط الذي يربط ذاكرتي وعقلي، باللغة العربية، ويجعل الكلمات في كل مرة طيّعة اكثر، وسلسة اكثر».
واضاف زاير: الصحفي مثل الطبيب الجراح، لا يمكن ان يخطيء بشيء، يضع كلماته وتعبيراته في مكانها كي لا يحدث التباس بالمعنى، ويضيع الهدف، فالثقافة العامة هي من يخلق صحفيا جيدا، وهذا يتطلب خزينا فكريا، وابداعيا، يتأتى من خلال القراءة، قراءة الشعر، والقصة، والرواية، فمن غير المعقول ان يكون هناك صحفي لا يعرف عن المتنبي شيئا، او عن الجواهري، لذلك فانا اقرا تقريبا يوميا كتابا او ما يعادله، لانك تتغذى من خلال القراءة بالاوصاف، فالمتنبي مثلا يعرّفنا كيفية التعبير ببلاغة عميقة من خلال اللغة العربية، فالمتنبي في بيت واحد يستطيع ان يعطي معنى بانوراميا للمشاعر الانسانية صعبة التصديق، فلا صحافة من دون ثقافة.
وتابع زاير: بناء المؤسسات الاعلامية عمل مثل بناء الشركات، يحتاج اساسا، ورأس مال، في الغرب هناك نوعين من المؤسسات، شركات، ومؤسسات مساهمة اي ان الصحفيين يشتركون بالأسهم، وانا في بداية تأسيسي للصباح الجديد، اقترحت على العاملين في ان يساهموا برأس المال من خلال استقطاع جزء بسيط من الراتب، وبذلك تكون ملكية عامة، لكن الكل رفض ذلك، وطلبوا ان اكون انا وحدي صاحب الشركة والسلطة، هذا لاننا لا نعرف اهمية الصحافة، الكل يبحث عن راتب نهاية الشهر، مثله مثل أي موظف.
متى ما عرفنا واستوعبنا اهمية الصحافة، سنعرف كيفية التعامل والتعاطي مع ما يسمونها «سلطة رابعة»، وستكون بالفعل سلطة رابعة، وليس مجرد شعار عالمي نردده ولا نفقه معناه.
المحاضرة تخللتها قصص ومواقف بعضها كان صادما، وبعضها كان يحمل شيئا من الكوميديا التراجيدية، لكنها بنحو عام محاضرة قيمة، لن نستطيع نقل كل تفاصيلها، لكننا استطعنا اجتزاء بعضها مما ذكر بها.
في ختام المحاضرة سلّم أ.م.د عبد الرزاق جبر الماجدي عميد كلية الاسراء الجامعة درع الابداع لزاير مثمنا دوره في اشاعة الثقافة الصحيحة بين جمهور القراء، واستجابته لدعوة الكلية في القاء المحاضرة القيّمة في دور الاعلام والصحافة في نقل المعلومة للقاريء.