السياسة الخارجية لتركيا.. تغييرات تحددها المصالح الضيقة

مع تفاقم الأزمات الإقليمية بين دول الجوار
ترجمة: سناء علي

في عدة تقارير لمراقبين اشاروا فيها الى ان « نتائج الانتخابات البرلمانية في عام 2015 لحزب العدالة والتنمية والتي استطاعت الحصول على دعم سياسي ومعنوي لسياساته الخارجية التي واجهت انتقادات داخلية وخارجية كثيرة في الفترة الماضية، فقد أكد بعد فوزه على خيار (السياسات التوافقية) والتهدئة داخلياً، لتمكينه من أداء دور إقليمي يركز على توافق حلفاء تركيا على أهداف مشتركة وقيادة عمل جماعي دولي ضد التهديدات الجديدة، وهو ما يتسق مع مراجعاته السابقة,فمع تعقّد مشكلات تركيا الإقليمية وتزايد تحدياتها الداخلية في السنوات الأخيرة، قدم حزب العدالة والتنمية مراجعات أكاديمية وسياسية لسياسته الخارجية التي اتسمت بالاستمرارية وثبات التوجهات منذ وصوله للحكم عام 2002.»
وبين المراقبون ان « حزب العدالة والتنمية يسعى إلى تحقيق التجانس بين التراث العثماني التركي والتراث الإسلامي في الداخل والخارج، من منطلق الإيمان بأن تركيا تمثل قوة إقليمية كبرى، ومن دون أن يعني ذلك تدشين امبراطورية عثمانية جديدة في الشرق الأوسط وما وراءها، ولا السعي لإقامة نظام قانوني إسلامي في تركيا الحديثة، ولكن إرساء انموذج معتدل من العلمانية التركية في الداخل، وتبني سياسة أكثر نشاطاً في الخارج، ولاسيما في مجال الوساطة لحل النزاعات.»
واشاروا الى ان «هذه السياسة التي يتبناها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة تقوم على مبدأ (العمق الاستراتيجي) الذي أرساه وزير الخارجية، أحمد داود أوغلو، والمرتبط بـ»تصفير المشكلات مع الجيران»، مما يسمح لتركيا بإستعادة دورها التأريخي في محيطها الإقليمي، والذي أهمل بسبب المبالغة في الاهتمام بتعزيز العلاقات مع الغرب، والأهم أن ذلك النشاط لتركيا في نطاقها المحيط يسمح لها بتعزيز مكاسبها التجارية، وذلك مع تنامي اقتصادها، وزيادة قدرتها التصديرية، حيث تضاعفت الصادرات التركية إلى دول المنطقة، خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية.»
كما أشار المراقبون إلى وجود ثلاث رؤى استراتيجية حاكمة لسياسة تركيا الخارجية، وكان ابرزها رؤية (العثمانية الجديدة) التي اعدها الرؤية التي تحدد التوجه الخارجي لحزب العدالة والتنمية بالأساس.وترتكز أنقرة على هذا الأنموذج من العثمانية الجديدة، بتدعيم مصادر قوتها الناعمة من خلال تعظيم نفوذها السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والثقافي، وخصوصاً في المناطق التي كانت تابعة تاريخياً للإمبراطورية العثمانية، وكذلك في المناطق الأخرى، حيث لتركيا مصالح استراتيجية,ومع الإشارة كذلك إلى أن العثمانية الجديدة لا ترى حرجاً في الاعتراف بالتعددية الثقافية، مما يساعد على استيعاب التعدد الإثني في البلاد. وعلى ذلك، وبخلاف المعسكر الكمالي القومي، لا ترى العثمانية الجديدة تهديداً رئيساً في الاعتراف بالحقوق الثقافية للأكراد، ماداموا على الولاء للدولة، بل إنه يمكن استيعاب مطامحهم في إطار الهوية المسلمة التي تجمع جُل العرقيات داخل البلاد.» واشاروا الى ان اوغلو صرّح في خطابه أمام الجمعية الوطنية التركية الكبرى في أبريل 2012، بأن تركيا سوف تواصل جهودها ودعواتها لتحرير المنطقة من الاستبداد، وليكون الزعيم الملهم للديمقراطيات العربية، في خطاب برز معه ملامح العثمانية الجديدة في السياسة التركية، وكذلك تأثير التوجه الجديد لتركيا، فمع بداية الأحداث العربية، التزمت أنقرة الحياد إزاء الثورة التونسية في ديسمبر 2010. ولكن مع تسارع الأحداث في مصر بعد شهر واحد من ذلك التأريخ، فقد بادر أردوغان بدعوة الرئيس السابق حسني مبارك إلى التنحي، وكان عبد الله غول أول رئيس يزور مصر بعد سقوط مبارك، مما ضاعف من الشعبية التي تحظى بها تركيا على الساحة المصرية، وهو ما انعكس في استقبال أردوغان عند زيارته لمصر في سبتمبر 2011، حيث زارها على رأس وفد كبير من رجال الأعمال، أثبت حرص تركيا على توسيع علاقتها الاقتصادية مع أكبر دولة عربية.»
كما اوضحوا انه «و بداية الانتفاضة الليبية في شباط 2011، بدا أن تركيا مترددة بشأن ما يجب فعله، حيث كانت لتركيا استثمارات كبيرة مع نظام القذافي. لذلك، أكدت في بداية الأحداث أهمية التوصل لتسوية سياسية للأزمة في ليبيا، محذرة من استفحال القتال على النحو الذي تم سابقاً في العراق، الأمر الذي أضر بصورة تركيا داخل ليبيا. ولكن بعد تمرير قرار مجلس الأمن 1973 الذي أَذِن بفرض منطقة حظر طيران فوق ليبيا، فقد تبدل موقف أنقرة بإرسالها قوات بحرية للمشاركة في علميات الناتو هناك، بجانب المشاركة في جهود الإغاثة الإنسانية.كذلك، فإن اندلاع الحراك الشعبي البحريني في شباط 2011 وضع تركيا بين حسابات متعددة، فلديها مصالح اقتصادية واسعة مع عموم دول مجلس التعاون الخليجي، وكان عليها احترام الخصوصية الأمنية لمنطقة الخليج، ولم تكن ترغب في تشجيع إيران على التدخل في شؤون دوله. ومع ذلك، فقد أرادت أنقرة إبراز دورها الدبلوماسي في محاولة لتهدئة التوترات السنية- الشيعية في المنطقة التي من شأنها الإضرار حتى بمصالحها الخاصة، ولذلك عرضت أنقرة التوسط لحل الأزمة، موصية السلطات البحرينية بضبط النفس. غير أن دول الخليج تجاهلت مبادرات أردوغان، وشرعت في الحل العسكري للأزمة بإرسال قوات درع الجزيرة إلى البحرين.»
واختتموا دراستهم بأن» تركيا وإن عانت خسائر اقتصادية كبيرة نتيجة للتغيرات المفاجئة في الشرق الأوسط، فإنها نظرت إلى ثورات الربيع العربي بوصفها تطوراً جيداً نحو إرساء قيم الحكم الديمقراطي القائمة على الشفافية والمساءلة، متفائلة بتصاعد دور تيارات الإسلام السياسي والقريبة من أيديولوجيتها وأفكارها، مما يساعد على تدعيم التعاون مع أنقرة، حتى يبدو أن تركيا قد تكون من أولى القوى الإقليمية المستفيدة من التطورات الجارية في المنطقة.»

* عن معهد بولينغي للابحاث والدراسات الاستراتيجية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة