سحر الإعلام الأسود

 نصيف فلك *

اذا تحالف الاعلام مع الخيانة سيكون له مفعول السحر، وهذا بالضبط ما حصل في الموصل. لنظام البعث وصدام خبرة طويلة في صناعة الشائعة حتى راحوا يصدرونها للخارج، ثم اكتسبوا ثقة العالم الساذج وتقديره. هنا يعمل طاقم كامل من المهندسين والفنيين والعمال المهرة ومرتزقة لا يرمون أي كذبة تافهة في المزبلة كما هو الاجراء الطبيعي إنما هم يعيدون صناعتها بحلة جديدة ويتم إنتاجها بالملايين كي تدخل في كل بيت عراقي حيث يجد المواطن نفسه بوق ترويج ونشر الشائعة وهو لا يدري. 

من ضخامة الأكاذيب والشائعات فقد العراقي صلته بالواقع واعتنق الخرافة بحيث راح يصدق أي شيء وبنفس الوقت لا يصدق أي شيء، بقي فريسة العفاريت والسعالي العقائدية، عاش العراقي في سلسلة متصلة من الانقطاع عن العالم وعن التاريخ، إذ وجد نفسه منقطعا عن البشر وعن شعبه وعن وطنه وعن نفسه. هكذا صدق العراقي الشائعة وآمن بالخرافة حتى صار كل عمره مجرد كذبة قاتلة.

واليوم عنده استعداد فطري لهضم الشائعة وتمثلها ثم نشرها وترويجها فهو صدق بأن (داعش) على أبواب بغداد من خلال أكاذيب وشائعات أطلقتها قنوات العربية والشرقية وبغداد والعباسية والبغدادية وبقية أفاعي الميدوزا،تلك القنوات التي تحيل من يسمعها الى جحش، هي قنوات خاضعة لماكينة الاعلام السعودي. برمشة عين صارت قنينة الغاز بسعر (25) ألف دنيار وارتفعت أسعار المواد الغذائية والأخطر من هذا هو دخول الرعب الى نفوس الناس، تهالكوا وانهزموا حتى قبل بدء المعركة، ذلك هو إعلام السحر الأسود المصنوع بتكنلوجيا شيطان العقائد.

العصر السعودي

أي متابع يلاحظ أن وسائل إعلام دول الشرق الأوسط تابع وخاضع للإعلام السعودي، بل وحتى دور النشر في مصر سوريا ولبنان لديها خطوط الحمر السعودية في الرقابة، كذلك شملت المسلسلات والأفلام التلفزيونية، ولا أحد يعرف اليوم عدد القنوات الفضائية السعودية التي تسللت الى جميع بيوت المنطقة العربية وفرضت عليها أسلوب العقيدة السعودية من حجاب ولحى وخمار ونقاب ودشداشة قصيرة، لقد هجمت الصحراء بكل ثقلها من الرمل والسحالي والجرابيع والافاعي والعقائد والمذاهب، هجمت الصحراء على الانهار والبساتين والحقول فصارت كل البلدان مستعمرة بالعقيدة السعودية من خلال الإعلام الذي يضخ سموم أكثر من حاجة المتلقي والمستهلك،إذ يمكن لحادثة تافهة مثل وفاة شخص سعودي بمرض الايدز ان يحتل شاشات وصفحات وإذاعات إعلام دول الشرق الأوسط ، في حين تتناسى كل وسائل الأعلام مجزرة في الموصل ، وراحت تموه على الحدث المروع فلا صحفي لديه ضمير وقف وأجرى تحقيقا حول المجزرة ولا متابعة إخبارية من إذاعة الـ (بي بي سي) التي تمرغت بوحل الانحياز بعد تاريخ طويل من الحيادية والنزاهة،اليوم طمست إذاعة وقناة (b.b.c) في الوحل الطائفي بعد انحيازها المفضوح والمدمر لأن جميع العاملين فيها من العرب السنة وراحت تشبه جميع وسائل الاعلام في دول الشرق الأوسط بعدما سلخت جنسيتها الانكليزية وصارت أخت شقيقة لقنوات الجزيرة والعربية والشرقية والرافدين والبغدادية والعباسية . سكت الجميع وأطفأ النور والضمير لأن جميع أعلام الشرق الأوسط مرهون بيد سلطة الأعلام السعودي بالضبط مثلما يخضع المثقف العربي لهذه السلطة وخاصة المثقف العراقي الذي لا يريد خسارة المحيط العربي. لذلك نرى كيف تنقض سطوة الأكاذيب على سذاجة وبؤس الحقائق، ولكننا هنا في ميدان الحدث الخبري نرى سقوط أكاذيب الأعلام العربي عندنا في العراق لأننا نعيش الحدث الذي يقع تحت أنظارنا فهل نكذب العين ونصدق قنوات العربية والشرقية والبغدادية وبقية القنوات المختصة بنفث زعاف سمها الإعلامي على المساكين والفقراء من العراقيين. أنظروا ما يحدث في سوريا وكيف تتسلط عليه الأضواء من كل الجهات، ولاحظوا ما يحدث في البحرين وكيف تغمض عنه عيون الأعلام وتنسد آذان القنوات والصحافة والإذاعات ، لماذا ؟

الجواب : لأننا نعيش في العصر السعودي . عصر الإرهاب.

بوصلة الأعلام العاطلة

يوميا نخسر المعركة لأننا سجناء العصر السعودي. يوميا نخسر فطرتنا السليمة ونوايانا الطيبة ونصدق تخاريف يثرب .يوميا ننكر أنفسنا من أجل قبائل الظلام وصحراء العقائد.

العيب فينا وليس في سموم الأعلام لأننا نلدغ من ذات الجحر آلاف المرات، جحر قريش الإعلامي. المصيبة نحن نعرف أن أعلامهم حقول ألغام وندخل فيه بإرادتنا وكأننا نختبر مفعول الموت الذي سوف يكون الاختبار الأخير. نحن نعي عن دراية وحكمة أن الإعلام العربي مفخخ مثل سياراتهم التي يفجرونها علينا يوميا في الشوارع والأسواق والجامعات والمدارس، نعرف عن كثب إنه أعلام مفخخ فنسقط ضحايا حسن النوايا والطوايا ونلملم جثث صدقنا وأشلاء حلمنا ورؤوس حسن النوايا. الإعلام العربي هو إعلام إرهابي بالفطرة والسليقة كما هو بالوراثة طائفي عنصري، لكنه يمتلك مصادر إقناع وتصديق من خلال الغرب ومنظمات حقوق الإنسان والأمم المتحدة التي اشترتها السعودية ودول الخليج بمبالغ خيالية، لذلك يسلط الضوء على مقتل شخص في بيروت وتدور عجلة الإعلام العربي ولم تتوقف، في حين تنطفئ أضواء الإعلام كلها عما يحصل في البحرين وفي القطيف والإحساء.

الإعلام هو المال، هو أموال مدفوعة لترويج احتلال سامراء والحلة وتكريت وبعقوبة، ترويج الدخول الى بغداد بينما إعلام الدولة العراقية يقف عاجزا مثل الـ (أثول) ويكتفي بإعادة اسطوانة النفي، مجرد نفي لا أكثر ولا اقل ، بدون الدخول الى عقل الشائعة ومعرفة أساليب بثها وتشخيص مراكز انتشارها ومن يقوم على نقلها وتوزيعها. يكتفي إعلام قناة العراقية وأخواتها المصطفة مع الشعب والدولة بنغمة النفي والتوسل بهيئة الاتصالات في محاسبة تلك القنوات المفخخة بالشائعات والأكاذيب، والكارثة الميدية : هي في تشكيل لجنة لكشف الشائعة والكذب الإعلامي واللجنة هي نفسها تقف خلف كواليس الإعلام المشبوه ولم يسمع الناس بأي خطوة ترصد معامل تفخيخ الإعلام. هكذا بقي مفعول سحر الإعلام الاسود يسري في شريان الحياة عندنا وفي الشرق الأوسط.

*كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة