عامر القيسي
اتذكر انني قرأت مقالا مترجما عن صحيفة بريطانية في صحيفة لبنانية عام 1982 يتحدث عن لبننة العراق، وكان حينها تنبؤا خياليا الى حد ما ، فالعراق كان منشغلا بحرب طاحنة مع ايران، ولم تكن هناك أي مؤشرات على اي نوع من انواع الصراعات الطائفية في البلاد،ومرّ المقال مرور الكرام على الجميع وكأنه مقال عن التنحيف وطرق التخلص من السمنة !!
وفي اعوام 2005- 2006 برز المصطلح من جديد في الاعلام العراقي الجديد وتم تداول هذا المصطلح والتنبؤ معا وكثرت التحليلات لفكرة كتبت ومرت منذ ثمانينيات القرن المنصرم ، وحذر منها الكثير من السياسيين، واستطعنا ان ننجو من اللبننة بفعل الممانعات الشعبية التي احبطت مخططا كان سياسيونا يخوضون فيه بحسن نية ومن دونها ..
ويبدو الآن ان اللبننة صغيرة على حجم العراق، مع اختلاف الظروف، ويتداول الاعلام وبعض السياسيين اليوم عن «سرينة» الوضع العراقي، بعد ان قدمت سوريا انموذجا آخر للصراعات الطائفية الدموية في المنطقة ..
ولان الصراعات في العراق تختلف عن الانموذجين اللبناني والسوري فان الانموذج الجديد الذي نقدمه للعالم هو «العرقنة» وهو ما تحذر منه مناطق اخرى من هذا العالم العربي المكتظ بالصراعات القومية والطائفية والسياسية ..
برغم اننا مازلنا نرفض بشدة ان نكون انموذجا لبنانيا ، حيث تقاتل المسيحون والمسلمون..
ونرفض بشدّة ان نكون انموذجا سوريا حيث يبدو القتال واضحا بين العلويين والسنّة ..
فلا لبننة نسعى اليها ولا سرينة ولا نريد ان نكون انموذجا «يقتدى» به أو يحذر منه تحت تسمية «العرقنة» ..
على سياسيينا ومن بيدهم زمام الامور والقول والفعل من رئيس الوزراء المالكي الى ابسط كتلة حصلت على كرسي واحد في البرلمان، ان يتوقفوا قليلا عما يجري الحديث عنه حول العراق ، وعن الطريق الذي نسير فيه بعيدا عن الشعارات والعاطفة والرغبات والاهازيج والاغاني..
عليهم ان يسألوا انفسهم ، عن مسؤوليتهم الوطنية والاخلاقية والضميرية والدينية التي قادت البلاد والعباد الى مانحن عليه الآن من تمزق وتشتت الى الحد الذي وجدنا ان ازمتنا وسبل الخروج منها ، على طاولة اميركية ايرانية وليس على طاولة عراقية ..
عليهم ان يسألوا انفسهم ان كانت مثل هذه الازمة العاصفة عاجزة عن ان تلملم شملهم وتفتح حوارا مثمرا فيما بينهم.. فماذا ينتظرون؟
ينتظرون السرينة الحقيقية ، بعد ان اصبحت اللبننة من ماضينا ؟
ينتظرون المزيد من الدماءالعراقية والمزيد من الضحايا والمزيد من الارامل والايتام ، لكي يقتنعوا ان واجبهم انقاذ البلاد من المستنقع الذي نخوض فيه جميعا من دون استثناء، ومن يتصور انه خارج التغطية فان تطورات الاحداث ، اذا استمرت على هذه الطريقة، فلن يرى نفسه الا مع هذه الجموع التي تخوض في مستنقع الازمة!!
ماذا ينتظرون؟
انتهت لعبة الانتخابات و»اقتنع» بنتائجها الجميع مع كل الاعتراضات القوية، واعلنت النتائج النهائية ، والمطلوب الآن انعقاد البرلمان الجديد – القديم والسير نحو تشكيل حكومة قادرة على ان تلملم الجرح العراقي ، حكومة حقيقية تجمع الجميع تحت خيمتها وتطمئن الجميع ايضا على حاضرهم ومستقبلهم معا ، حكومة قادرة فعلا على ان تحارب الارهاب وتجفف منابعه ، ليس بلغة المدافع فقط وانما بسياسات استثنائية ، لاتضعنا انموذجا سلبيا جديدا ، فتحذر شعوب المنطقة من «عرقنة» ازماتها بعد ان شاهدت عرضا طويلا ودمويا بتجربتي اللبننة والسرينة !!