حلم الشيخوخة

كثيرة هي الأحداث الحقيقية والخيالية التي تشير الى رغبة الإنسان في الخلود وإطالة العمر، ففي التأريخ العراقي القديم هناك ملحمة جلجامش وأنكيدو والبحث عن البقاء الأزلي الدائم، وفي الحضارة الفرعونية القديمة نرى أن الملوك يتطلعون الى الخلود ويؤمنون بالعودة بعد الموت ليحكموا من جديد لذلك قاموا بعمليات التحنيط التي تذهل عالم اليوم من أجل المحافظة على الجسد بعد عودة الروح فبنوا الأهرامات ودفنوا الفراعنة وعائلاتهم ووزراءهم في داخلها ووفروا لهم كل إحتياجاتهم عند العودة، وقد تكون تجارب أخرى في الحضارات القديمة أجهلها.
ولم تقتصر عملية الطموح في إطالة العمر على الماضي بل أن أكثر العصور شهدت محاولات لتحقيق ذلك ولكن الأمراض والحروب والكوارث سببت حتى في إندثار حضارات قديمة وفشل الكثير من محاولات البحث عن أسرار الحياة للوصول الى طموح الإنسان في البقاء مدة أكثر، ولكن ثبت علمياً أن الخلود مستحيل لأنه يتعارض وقوانين الطبيعة العلمية والدينية ولابد للإنسان أن يرحل لفسح المجال للأجيال الأخرى بالصعود لتحل محلها، وبعد اليأس من الخلود إتجه الإنسان وأبحاثه الطبية والعلمية الى العمل على ايجاد وسائل لإطالة العمر أكثر ما يمكن من الزمن.
لا شك أن عوامل التطور في جميع المجالات الطبية والغذائية والمناخية ساعدت على إندثار بعض الأوبئة والأمراض القاتلة التي كانت تحصد أرواح الملايين علاوة على الحروب والكوارث الطبيعية، كما أن تطور وتنوع الأدوية قد جعل من هذا الحلم البشري ممكناً في بعض الحالات وإخفاقه في حالات عديدة لم يستطع العلم سبر أغوارها وأسبابها، لذلك فقد إستمرت الأحلام وبقي قول الشاعر حقيقة قائمة :

ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب

ولكن البحوث مستمرة دائماً بحثاً عن الوسائل التي تطيل عمر الإنسان، وأخذ العلماء يتبارون في هذا المجال المغري للبشرية، ونسمع دائماً عن بحوث وأدوية يمكن أن تطيل عمر الإنسان علماً أن متوسط عمر الفرد قد إزداد في العالم ولم تعد الستينيات والسبعينيات من الشيخوخة التي لم يكن يصلها في الماضي إلا القليل الذين تسلط عليهم الأضواء كحالات إستثنائية في حين نجد اليوم ان وصول البعض الى المائة وأكثر ممكن في ظروف معينة منها الغذاء والدواء والطبيعة.
ما جعلني أطرق هذا الموضوع قراءتي عن توصل العلماء لنتاج أدوية تؤخر ظهور الشيخوخة على متعاطيها … ويبقى السؤال قائماً: ما جدوى إطالة العمر مع حقيقة الفناء, وخصوصاً في مناطق القتل الجماعي المجّاني فلا تنفع كل الأدوية الطبية، وتنفع فيها الأدوية العقلانية والإنسانية … فقط.

أمير الحلو

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة