علي صابر محمد*
عندما يطلق العنان لرأس المال في المفاصل التجارية للمجتمع واقتصاديات الدول فسيكون تأثيره كبيراً جداً في خلق الفوارق الطبقية من خلال تركز الثروة بيد شريحة صغيرة وعلى حساب الغالبية من ابناء المجتمع وما ينتج عنه من قهر اجتماعي واقتصادي وهيمنة طبقة الاثرياء على ايقاع الحياة في المجتمع ، الا ان رؤوس الاموال في الغرب تعد الركيزة الاساسية للاقتصاد واصحابها يلعبون ادواراً فاعلة في تعزيز اقتصاد بلدانهم وعلى اكتافهم تنهض الصناعات وشواخص العمران والمنشآت وتطوير الصناعات والتكنولوجيا ، ومن خلال البناء التراكمي للنظم الرأسمالية في الغرب فان رأس المال بالرغم من كونه عامل تمييز وتفضيل بين من يطلق عليهم الاغنياء وبين الشريحة الاكبر ممن يسمون بالفقراء الا انه يكون ايجابياً في خلق فرص العمل من خلال التوسع في وتيرة الانتاج واغراءات الربح المتحقق كذلك وتوفير اجواء جيدة لحياة مجتمعاتهم في ظل التبادل التجاري مع الدول المتخلفة وما يطلق عليها بدول العالم الثالث ومع ذلك فان الاحصائيات التي تنشرها منظمات دولية تشير بان 67 شخصاً من الاثرياء في العالم يملكون بقدر ما يملكه 3.5 مليار نسمة من سكان الارض وهذه الارقام المخيفة والمعادلة غير المتوازنة تدلل على حجم الفوارق في ملكيات البشر وما تفرزه من سلوكيات وممارسات قسرية بحق انسانية الطبقات المسحوقة وبؤس حياتهم ، وهذه البنية المتكاملة بين رؤوس الاموال والنظم الغربية بالرغم من كونها استغلالية الا انها خلقت نوعاً من الاستقرار السياسي والامني وتراكم للثروة بشكل معتدل وينسجم مع تطور ذهنية اصحاب رؤوس الاموال وانخراطهم في عملية الانتاج وليس لهذه الفوارق من وجود في النظام الاشتراكي حيث يتم على وفق معيار من كل حسب طاقته ولكل حسب عمله وينعدم فيها نفوذ رأس المال ، الا ان الدول النامية ذات الاقتصاد المشوه تنمو فيها رؤوس الاموال بطريقة طفيلية وغير طبيعية فهي عبارة عن وباء يقتل كل معاني القيم الانسانية وكالجراد يلتهم الاخضر واليابس واصحاب رؤوس الاموال تركزت لديهم الثروة على الاكثر بشكل غير مشروع وليس عبر سلسلة نجاحات تجارية أوصناعية أو أية طريقة انتاجية وانما باساليب السرقة ونهب المال العام وامتازوا بالجشع والشراهة والتخلي عن كل الضوابط الاخلاقية التي تحكم مجتمعاتهم.
في العراق مثلا لم يسهم القطاع الخاص عبر تاريخه الطويل ببناء قاعدة اقتصادية راسخة بل بالعكس كان عبارة عن طفيلي يعتاش على دم ايرادات الدولة ولم نلحظ اقامة مشاريع عملاقة برؤوس اموال وطنية او ان تظهر للوجود مشاريع متطورة ينفرد بها القطاع الخاص دعما للصناعة الوطنية ولم تلتفت الحكومات المتعاقبة على توجيه رؤوس الاموال المحلية بالاستثمار في المجالات التي تنمي قدرات البلد وتديم ماكنته الانتاجية وانما جعلت منه أداة امتصاص لمدخرات المواطن لقاء سلع وخدمات هزيلة وبائسة ففي عقود الاربعينيات ولغاية أوائل السبعينيات من القرن الماضي كان رأس المال المحلي يوظف بشكل طبيعي وحسب مغريات الموارد في العقارات بوصفها الأكثر أماناً لذا شهدنا البناء الكبير والواسع وتوفر السكن بشكل مريح امام الجميع اما مع تشريع القوانين التي لا تحمي الاستثمارات في هذا القطاع بل بالعكس حاربت المستثمرين فيه فتوقفت عملية البناء رافقها تزايد النمو السكاني لنصل الى مرحلة اليوم يحتاج فيها البلد الى اكثر من مليوني وحدة سكنية لتغطية تلك الاحتياجات وفي العقد الاخير من تاريخ العراق ومع تزايد موارد الدولة وتفشي ظاهرة الفساد الاداري والمالي وذهاب معظم المليارات المتحققة عن مبيعات النفط الى جيوب المنتفعين والفاسدين وعلى شكل عمولات لصفقات مشبوهة وتوزيع لكعكة السلطة والثروة بين الفرقاء وشركاء العملية السياسية اضافة الى المال السياسي الوافد من الخارج او استغلال مراكز النفوذ والقرار للحصول على الاموال السهلة فالبلد يخضع لقانون اغناء الاغنياء وافقار الفقراء و يشهد ظهور طبقة من الاثرياء الجدد يقلبون كل المفاهيم الاخلاقية والاقتصادية ولا تتوقع منهم توظيف تلك الاموال في المجالات الاقتصادية التي تسهم بالتنمية وانما ستأخذ تلك الاموال طريقها الى الخارج مستثمرة القوانين والتشريعات التي تبيح لهم تحويلها الى العملة الصعبة لتسهل لهم مهمة شراء الابراج في دول الخليج والعقارات في اوروبا ولبنان والاردن فقد صرح ممثل الامم المتحدة في العراق بأن ما سرق من اموال العراق خلال العشر سنوات الماضية يقدر بنحو 65 مليار دولار وهذا الرقم يعد ظاهريا أما ما خفي فكان اعظم والقنوات الفضائية تتحفنا يوميا بفضائح السراق وتبادل الاتهامات فيما بينهم والمباراة مستمرة في التسقيط السياسي بعضهم للبعض الآخر وحسب حجم المنافع المتحققة .
أية عدالة في توزيع الثروة تلك التي تسمح بوجود هذا البون الشاسع في الملكيات بين البشر، وكل القوانين السماوية و الانسانية تسعى لتقليص الفجوة بين الحدود الدنيا والعليا للملكيات بغية جعل المجتمعات اكثر توازناً واستقراراً وعقلانية في ممارسة حياتهم اليومية بلا تسلط لقوة رأس المال ونفوذه ، وفي عراقنا الحبيب البلد النفطي الكبير يعيش ما يقارب 20% من المجتمع تحت خط الفقر وما لا يقل عن 25% من الايدي العاملة عاطلة عن العمل وهناك مئات العائلات تعيش وسط مكب النفايات وعلى موائد القمامة واحصائيات وزارة التخطيط تعترف بوجود 2.5 مليون مواطن يعيشون في عشوائيات تفتقر الى ابسط الخدمات النظامية وجميع الدراسات تقر بوجود مليون ارملة في بلد أتعبته الحروب واعمال العنف وبمعيتهم ما لا يقل عن اربعة ملايين يتيم ، فهذه البيانات هي بمنزلة تحديات تواجه الدورة الجديدة للبرلمان فهل ستكون ضمن الاولويات التي سينهض بها ممثلوالشعب بعد طول انتظار ؟ وهل سيتعظ من كان بالامس في البرلمان السابق وحالفه الحظ مجدداً ان يكون ضمن اصحاب القرار ليخطوا بجدية نحو تحقيق الاستقرار ويشرع بالبناء ؟
*خبير مالي