قصة قصيرة أغنية لشجرة النبق

وجدان عبد العزيز

 

(موجات الساقية تكمل السماء، الريح والورقة والجناح

والنظرة، الكلام، وكوني احبك، كل ذلك حركة)

بول إيلوار

توالت حركة الليالي الجميلة، مكتنزة بالأحلام والحب، كان سحرها لا يُجارى، حينما ينسّل لي ذلك الصوت، الذي يحمل الكثير، الكثير من التساؤلات، والكثير من الأشياء، التي تجعلني كل مرة أعيد حسابات الأمور، بل كان المكان الذي يحتويني، يحاصرني، فأفلسف الكون، وأرسم خارطة له!! بعد ساعات، أو أيام تضاف لي تساؤلات أخرى، أطالع صورتها الملتصقة قبالتي في الحاسوب، وقد تكون أجمل ما أملك، وثمة كتب ومجلات في غرفتي مبعثرة، وأخرى مصفوفة وأنيقة، لا ترقى هي الأخرى عندي إلى ابتسامة واحدة من عينيها، ذلك السحر، يشبه سحر البحر في ليلة موجٍ زاخرٍ، أتذكر تلك الليالي، وأنا في عرض البحر لا أرى غير السماء والطارق، كانت ليلة ممتعة حقاً بالنسبة لي، هي ليلة البحر، رغم ما شابها من خوفٍ ورهبة، لكني حينما أرى عينيها تبحث مساحة وجهي، لحظتها ابتهج، ولا تحضرني في غيابها، إلا تساؤلاتي المعتادة، تلك التي تولد اضطرابات عديدة، أنا أحيانا أعيش زيفاً، هكذا أحسّ، ثم تزاحمني كثيرا عواطفي الصادقة، لأتوجها أميرة فوق شغيفات قلبي، فيصمت عقلي ولا يتكلم، الا عن صورتها المحلاة بالثبات والنضوج … ذاتَ يومٍ جاءتني بصوتٍ منفعل، متهمة إياي الشأن الاجتماعي، وثمة شنآن قوم ديدنهم الصاق التُهم، طارت كل افكاري وبقيتُ أرفسّ تحت تلال من قيود حديد أثقلت معصميّ، فقط بعض تبريراتٍ ليس غيرها بدائل تُذكر .. وذات ليلة جميلة أخرى دفعني شوقي الجارف، لان أتحدث بعاطفة تلقائية ولا أدري بردة فعل معاكسة، كانت قد خلقتْ في داخلي احباطات، وابتلعتُ آهاتي وامتصصتها بهدوء، عزائي، هو وفائي وحبي، الذي صنع صورة محلاة لها تجعلني اسعدَ إنسانٍ في الكون .. إحساسي بجمال صورتها وروعتها، تجعل هذا الجمال يقض مضاجع أعماقي .. حزنت ، تكأبت لحظاتي .. لكن تغيرت الصورة من نفس الليلة، عادت كل أحاسيسي للرخاء وتعمقت فلسفتي الخاصة، وأصبح شيئاً ما يفيض على حزني بالسكون والهدوء، وكل مرة اقضي ليلتي وحيداً كالعادة، الا من كلماتها التي تشع بدفء بريق عينيها، والذي يشعرني بأنوثتها الجميلة .. وعلى مدار السنوات المتواصلة، كان عالمها يبدو فيه بعض الصراعات الداخلية، الا انه يخلق لي عالماً من الاكتشاف، عالما من الحياة الجديدة، حينها الجأ لمخاطبة تلك النجمة، التي تستقر في كبد السماء، أبثها أشجاني، مناغاتي، ثم التزلف لبريقها، كي ترسل لي: أغنية قلبي لعينيها، الظاهر أن النجمة وفية جداً لي، وحين يغني قلبي مع قلبها، قد يجد الحبّ مأواه .. لا أدري حينما يلتقي الجسدان، أقصد جسدي وجسد حبيبتي، ماذا يحدث؟؟.. كان دمي أحسسته، وأحسسه كل مرة يسيل من أطرافي، وأنا أمسك بالموبايل، لألتفت إلى ذكرياتي، هواجسي، سعاداتي المطروحة على ذلك الرصيف المحلى بضحكاتها، وأغنية شجرة النبق المثمرة تتناثر على الرصيف المقابل.. وكلما تأملت ذلك العناق بين أشعة الشمس والأفق البعيد، تنبأتُ بالمجيء، وكان حضورها أهازيج فرحٍ ومرحٍ في ذهني، يمنعني من الرجوع خطوة إلى الوراء، وأجد قدميّ عاريتين تنفجران بالوجع، فأتسمّر أمامها، لألحن لحظاتي بجنون المكوث، ولكن الزمن لا يتوقف وتبقى تلك الآثار لا تمحوها صباحات الغياب الأخرى، تسبح ببحر الذكريات الزاخر، ولا زلت أرسم لوحة الحضور والغياب بفلسفة الحب، الذي تحول إلى أسسٍ جمالية لبناء فخم تتضاجع فيه الأفكار المحلاة بالخيال الخصب…

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة