قرارات تمييزية

مبدأ الحكم: يستلزم لتطبيق أحكام المادة (444/ أولاً) من قانون العقوبات ابتداءً قيام المتهم بانتهاك حرمة المسكن ومن ثم السرقة، فاذا أنتفى فعل انتهاك حرمة المسكن يكون فعل الجاني سرقة مجردة بدون أي ظرف مشدد وينطبق فعله واحكام المادة (446) من قانون العقوبات.

لدى التدقيق والمداولة من قبل الهيأة الموسعة الجزائية في محكمة التمييز الاتحادية لوحظ بأن الطعن التمييزي مقدم ضمن المدة القانونية قرر قبوله شكلا، ولدى عطف النظر على القرارات المميزة الصادرة من محكمة جنايات الرصافة / الهيئة الأولى بالعدد 888/ج م/نقض/2023 في 24/12/2023 وجد بأن المحكمة قد راعت عند إصدارها تطبيق أحكام القانون تطبيقا سليماً، وإن إصرارها على حكمها المنقوض قد جاء في محله، لأن الثابت من الأدلة المتحصلة تحقيقاً ومحاكمة قيام المتهم (ع. ش. ا) بتاريخ 6/7/2023 بسرقة المشتكية (ب. ا. ع) والتي أوضحت في أقوالها تحقيقاً ومحاكمة بأن المتهم هو ابن عمتها، وإنها تسكن مع أهلها في بغداد منطقة شارع فلسطين، وإن لديها مبلغ قدره أربعون الف دولار وخمسة وعشرون مليون دينار عراقي، سبـــق وأن وضعته فـــي داخل كنتور في غرفتها. وفي يـــوم الحادث المصادف الخميس حضر المتهم أعلاه الى البيت وكانت غير متواجدة في الدار وأكدت بأن المتهم كان يحضر للبيت بين فترة وأخرى وفي يوم الجمعة. وعند تفقدها للمبلغ أعلاه لاحظت عدم وجود المبلغ الذي سبق وأن وضعته في الكنتور، وتبين بان المبلغ قد تم سرقته، علماً بأن المتهم بقي في الدار لليوم التالي وطلبت الشكوى ضده. المتهم الذي بدوره أكد باعترافه تحقيقاً ومحاكمة بأنه كان يشاهد المشتكية لأكثر من مرة تضع نقودها في خزانة ملابسها عندما كان يتردد لزيارة دار خاله والد المشتكية التي تسكن معهم في ذات الدار. وفي يوم الحادث المصادف الخميس كان نائما في دار خاله في الليلة السابقة وبعد استيقاظه صباحاً الساعة العاشرة لم يشاهد المشتكية وعلى اثر ذلك صعد للطابق العلوي من الدار ودخل لغرفتها الخاصة وقام بسحب مبلغ نقدي من الكنتور وبعد حساب المبلغ تبين انه مليونين وثمانمائة الف دينار عراقي، وقد تعزز هذا الاعتراف الصريح والواضح وبتوافر كافة الضمانات القانونية، ما جاء بمحضر كشف الدلالة للمتهم والمخطط والكشف على محل الحادث واقوال شهود الاثبات، والنقطة الواجبة الحل في هذه القضية هي إعطاء التكييف القانوني السليم للفعل الجرمي المرتكب من قبل المتهم فهل ينطبق عليه حكم المادة 444/اولاً ام حكم المادة 446 من قانون العقوبات. وتجد الأكثرية في هذه الهيأة بأن المادة 444/اولاً من قانون العقوبات قد نصت (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنوات أو بالحبس على السرقة التي تقع في أحد الظروف التالية: /اولاً اذا ارتكبت في محل مسكون أو معد للسكنى أو أحد ملحقاته، أو محل معد للعبادة، أو في محطة سكة الحديد أو ميناء أو مطار) ومن تحليل هذا النص، وقدر تعلق الأمر بظرف التشديد والمتمثل بالسرقة التي ترتكب في محل مسكون أو معد للسكنى، فإن الحكمة التشريعية من تغليظ العقاب وتشديده بحق مرتكب السرقة، كون الجاني لا يكتفي فقط بالاعتداء بالسرقة والاستيلاء على مال الغير، بل ينتهك ابتداءً حرمة المسكن، وذلك بالدخول له دون إذن صاحبه. وحرمة المساكن مبدأ دستوري وقانوني عتيد، إذ نصت المادة (17 /2) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 (حرمة المساكن مصونه ولا يجوز دخولها او تفتيشها او التعرض لها الا بقرار قضائي ووفقاً للقانون). كما أن المادة (428) من قانون العقوبات قد عاقبت بالحبس مدة لا تزيد على سنة كل من دخل محلاً مسكونا أو معداً للسكن أو أحد ملحقاته، وكان ذلك بدون رضاء صاحبه، فالشخص اذا دخل محل سكن أو معد للسكن، بدون إذن صاحبه، يكون قد ارتكب جريمة انتهاك حرمة السكن وفقاً لأحكام المادة (428) من قانون العقوبات. وإذا قام بعد ذلك بسرقة أموال عائدة لصاحب المحل او مــن يسكن معه، فهنا يقتضي تطبيق أحكام المادة 444/أولا من قانون العقوبات. أما إذا كان دخول الجاني بناءً على موافقة صاحب المحل المسكون أو أحد توابعه باعتباره من أقاربه أو أحد أفراد الاسرة، فهنا لم يتحقق انتهاك لحرمة المسكن، وبهذا تنتفي العلة التشريعية من تغليظ العقوبة بحق السارق وفقاً لما تقتضيه أحكام المادة 444/أولا من قانون العقوبات. ولأن المتهم قد اعتاد الدخول الى دار السكن بموافقة ساكنيها باعتباره من أقاربهم كونه (ابن خال المشتكية) وقام بسرقة أموال نقدية عائدة للمشتكية فيكون فعله ينطبق واحكام المادة 446 من قانون العقوبات والتي نصت (يعاقب بالحبس على السرقة التي تقع في غير الأموال المنصوص عليها في المواد السابقة) ولأن تواجد المتهم في الدار التي تسكنها المشتكية بشكل مشروع فلا يعتبر منتهكاً لحرمة السكن فلا تنطبق عليه احكام المادة 444/أولا من قانون العقوبات وهذه الفقرة في جوهرها وفحواها فعلين جرميين يرتكبهما الجاني بصورة ترتيبية ومتوالية الأول انتهاك حرمة المسكن وفق احكام المادة 428 عقوبات والثاني سرقة مال وفق المادة 446 عقوبات وقد ارتأت حكمة المشرع دمجهما بنص عقابي واحد، واعتبر انتهاك حرمة المسكن ومن ثم السرقة ظرفاً مشدداً، فإذا انتفى فعل انتهاك حرمة المسكن، يكون فعل الجاني سرقة مجردة، بدون أي ظرف تشديد، ويكون التكييف القانوني الصحيح لهذه الجريمة وفق أحكام المادة 446 من قانون العقوبات. ولأن محكمة الجنايات قد التزمت وجهة النظر المذكورة سلفاً فتكون قراراتها المميزة قد جاءت متفقة وأحكام القانون بالتجريم للمتهم وفق أحكام المادة 446 عقوبات، وكذلك بفرض عقوبة الحبس الشديد بحقه لمدة خمسة سنوات والتي جاءت مناسبة وفعله الجرمي الذي ارتكبه. وتأسيساً على ما تقدم قررت المحكمة تصديق كافة القرارات المميزة ورد الطعن التمييزي وصدر القرار بالأكثرية في 19/شوال/1445هـ الموافـــق 28/4/2024م.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة