في الجنسِ مَسٌّ من الشِّعر
متابعة الصباح الجديد:
عن منشورات المتوسط – إيطاليا، صدر العدد الجديد من مجلَّةِ “براءات” – وهو عددٌ مُزدوجٌ، ثالثٌ ورابعٌ .2019/2020
عددٌ يفتحُ أبوابَ المجلَّة على موضوعةِ “الجنس والشِّعر”، في مقاربةٍ إشكاليَّة وجماليَّة تُحاول من خلالها المجلَّة خلق مساحةٍ تفاعليَّة وحيَّة مع تاريخ وراهن الشِّعرية العربيَّة على امتدادها الجغرافي وعلاقتها المتجدِّدة مع العالم. وهو ما تعكسُه موادُ العددِ المُميَّزة والمتنوِّعة بين الدّراسة والتّرجمة والاشتغال الصّحفي والريبورتاج والشِّعر.
جاءت مواد العدد المزدوج من “براءات” مُتماهية في جلِّها مع موضوعة “الجنس والشِّعر”، بين الدِّراسة والترجمة والريبورتاج والحوار. كما يتميَّز هذا العدد بتخصيص ملفٍّ كاملٍ عن الشعر في اليمن مع مختارات شعرية وقراءات في التجارب الجديدة، يقدِّم لها محمّد عبد الوهاب الشّيباني معنوناً مادَّته بـ “الشعر الجديد في اليمن ملازماً للتحوُّل ومتشكِّلاً خارج ترسيمات الأبوَّةِ والهامش”. ولنقرأ قبل ذلك دراسةً مطوَّلة عن الجنس في الشِّعر العربي يختار لها فخر زيدان عنوان: “فراديسُ الجسدِ واللُّغة”، فيما يذهب محمَّد عرش إلى مقاربة “سؤال الشِّعر بين الجنس والحقيقة المقلوبة” معتبراً أن للشِّعر القدرة على تمثّل العلائق بن الأنثى والذَّكر، وإعادة ذلك – بشكل أقوى – عبر الخلق والإبداع. وعن الفرنسية يترجمُ لنا المصطفى صباني بحثاً أكاديميَّاً عن بعضِ مساراتِ الرَّغبةِ في الشِّعر الإغريقيِّ والرُّومانيِّ لأستاذة التاريخ القديم ساندرا بوهرينغر بعنوان: “هل ثمَّة نوعٌ آخرُ من الحُبّ؟”، ولتبرز أسئلة أخرى للباحثة من قبيل: هل كان الإغريق والروم يربطون هويَّات الجَنْدَر بقضيَّة “الميول الجِنْسِيَّة”، كما هو الحال في مجتمعاتنا الغربية؟ وفي الترجمة دائماً يعود الشاعر والباحث إيمانويله بوتَّاتسي غريفوني ليقدم للمجلَّة مادَّة جديدة وحصرية بعنوان: “الفكر الجنسي – ملاحظات في الشكل الشعري” ترجمها عن الإيطالية كلّ من يوسف وقّاص وكَاصد محمد، يستند فيها الأكاديمي الإيطالي إلى الأساطير والأصول التاريخية للّغة ليبرز أن النشاط العقلي مختلف عن نشاط الحواسّ، لكنّه مرتبطٌ بها بلا شكّ. من جهته يعدّ ويترجم عماد الأحمد مختارات مرفقة بالصُّور لـ “شعر جنسيّ من روما القديمة”، وبترجمةِ عبد الكريم الجويطي، وإعداد وتقديم عبد الرحيم الخصّار، نتعرّف على الشاعرة الأمازيغية المغربية مْريْرِيدَة نايت عتيق، تأتي بعنوان: “لماذا عليَّ أن أخجل من نفسي؟”. لبترجم أحمد م. أحمد قصائد إيروتيكية للشاعرة الأمريكية مارلين هاكر. كما سنقرأ في العدد الجديد أيضاً مادَّة ليوسف وقّاص بعنوان: “في اللّامتناهي بين الأرض والجسد”. وبعنوان: “في الطبيعة العارية الإنسان هو المقنّع الوحيد” يختار ويقدَّم زياد عبدالله مجموعة من قصائد الشاعر السُّوري بندر عبد الحميد الذي غادرنا بداية هذه السَّنة.
في ريبورتاج “براءات”، والذي غابَ في العدد السابق من المجلَّة، يجيبُ 20 شاعراً وشاعرة عربية عن سؤال: أيها الشاعر، ما علاقتك بالجنس كتجربةِ حياةٍ وكتابة؟، أمَّا جلسة براءات “لغو”، التي أدارها الشاعر أشرف القرقني من تونس العاصمة، فتأتي بعنوان: “الكتابةُ بالجسد، الجسدُ في اللُّغة”. كما وتستحدث أسرة تحرير “براءات” باباً جديداً باسم: “كلُّ يوم في شأن” يكتب فيه رائد وحش، كما في العنوان: “مجرَّد أفكارٍ شخصيَّة عن الشِّعر”.
صورة العدد، هي لواحد من أهمِّ الرَّسَّامين العرب: الفنّان التّشكيلي والشّاعر والرّوائي السّوري إسماعيل الرفاعي، التقطتها له نيري شاهنيان في مرسمهِ، في الشارقة حيث يعمل ويقيم منذ سنوات، وهوَ واقف أمامَ إحدى لوحاته التي سيرافقُ عددٌ منها المواد الكتابية، مع رسوماتٍ وتخطيطاتٍ خصَّ بها الفنّانُ هذا العدد من براءات.
في 264 صفحة من القطع الكبير، صدر العدد الجديد المزدوج من “براءات” التي، وإن تأخَّرت لظروف لم تُغلق جرَّاءها أبوابُ المجلَّة، ستظلُّ مفتوحةً على الشعرية العربية، وروافدها في مختلف لغاتِ العالم، مقارِبةً موضوعات الرَّاهن الثقافي والابداعي العربي بكلِّ إشكالاته ومنعطفات تاريخهِ الحاسمة، ولكن، بحيويةٍ تراهن على تنوُّع الرؤى وحرِّية الأفكار وأشكال الإبداع، وأن الخريطةَ، على اتساعها واختلافها، لا تُرى كاملةً بعينٍ واحدة.