صدر العدد الجديد “232” من “الأديب الثقافية”، التي يرأس تحريرها الناقد والكاتب العراقي عباس عبد جاسم متزامنا مع إطلاق الموقع الجديد لها. وتضمن عديد الدراسات والقراءات والنصوص والترجمات العالمية.
تضمن حقل “نقد” دراسة للناقد والأكاديمي فيصل غازي النعيمي حملت عنوان “ايديولوجيا تقويض المركزيات في سرديات ما بعد الحداثة – شعرية الاختلاف واخلاقيات الكتابة في رواية – بوز الكلب”، ويقول الناقد فيها إن رواية “بوز الكلب” للكاتب عباس عبد جاسم نص متداخل متعدد الخواص، فالبنية السردية ليست الوجه الحكائي لوحدها بل يعمد الكاتب ضمن طرح تجريدي/ رؤيوي ينسف مقولات نقاء النوع ووحدة النص، فالرواية تأخذ شكلا ً تعبيريا يتداخل في بنائه السردي والشعري والتخطيطي، وكل هذه الاشكال تنصهر في بوتقة متاهة حكائية تتعامل مع القارئ من منطلق الوعي القرائي والانساني”.
وجاء في دراسته: إن الروائي يشتغل بوعي على قضية تقويض المركزيات في متونه السردية، مستفيدا من مقولة ميلان كونديرا – التي تقول بأن: “الرواية أصبحت تحاكي نفسها”، فهذه الإشارة المتناصة في بداية الرواية تشتغل على مفاهيم متعدِّدة ومتنوعة ومتناقضة، من أهمها مفهوم ما بعد السرد الذي يؤسِّس حتما لمفهوم اللايقين السردي من حيث الهروب من مركزية التاريخ الرسمي وأكاذيبه والواقع وأوهامه الى نسبية الحدث”.
وفي حقل “قراءات” قدّم الناقد والروائي جاسم عاصي قراءة لـ “وصايا الإله نابو … الاستعانة والمعنى” من خلال الكيفية التي استعار فيها الشاعر حيدر هادي الخفاجي وصايا الإله نابو في عمله الشعري، والإله نابو هو: إله الكتابة والحكمة عند العراقيين القدماء، وقد ضمّن الشاعر قصيدته سبع وصايا بلسان الإله، فأحسن الدخول والمداخلة “مما وضعنا ضمن دائرة مفتوحة يمتلكها صوت الإله، ويلفظها لسان صوت الشاعر”.
ويختتم الناقد جعفر الشيخ عيوش في حقل (قراءات) دراسته التي يؤسّس فيها لمفهوم “السيكو سرد؛ القدرة / الأداء وفاعلية التساؤل في رواية “طيش الاحتمالات” للروائية التونسية زهرة الظاهري.
وفي حقل (فكر) قدّمت الناقدة والاكاديمية الجزائرية أحلام مامي مقاربة لـ “الناقد العربي المعاصر والدراسات البينية”، وفيها تتساءل في خضم الرؤية البينية الغربية المنتقلة الى البيئة العربية: “هل نجح الناقد العربي في تبني البراديغم المعرفي الجديد الذي فرضته هذه الدراسات القائمة على انفتاح التخصصات وتفاعلها؟”، و”هل أكد فعلا على أن هذا التجاوز المعرفي حاجة منهجية ضرورية في مجال البحث النقدي أم انها تقليد أعمى للطرف الآخر؟
وفي حقل (ثقافة عالمية) قدمت الشاعرة والمترجمة العراقية دنيا ميخائيل من أميركا – ترجمة لـ قصائد: إيليا كمنسكي من مجموعته الشعرية “جمهورية طرشاء”، عن الإنكليزية، والشاعر كمنسكي: شاعر روسي يقيم في أميركا. له مجموعتان شعريتان “الرقص في أوديسا” و”جمهورية طرشاء”، إضافة إلى ترجمات قام بها عن اللغة الروسية وتحريره لانثولوجيات عالمية، ومن عناوين قصائده المترجمة “عشنا بسعادة في أثناء الحرب/ نقاط تفتيش/ في أثناء مسيرة الجنود، الفونسو يغطي وجه الولد بجريدة/ الطَرَش إحتجاجًا”.
وقدّم المترجم والكاتب العراقي خضير اللامي من السويد في (ثقافة عالمية) أيضا “قراءة جديدة في رواية – الشياطين والأخوة كرامازوف” لفيدور ديستيوفسكي، ومن بؤرة هذه الترجمة تنبثق جملة من التساؤلات “لماذا إختار فيودور دستويفسكي وجهة النظر المركبة هذه، والمعقدة بالدرجة الأولى، حين كان، وعندما تعرّف في الماضي مباشرة من خلال المنظور السردي، الذي لم يكن متعذّرا في إمكانية استخدام مثل هذا النوع من السرد – ولماذا وببساطة يسرد تينك الروايتين العظميين وهو الراوي كلي العلم؟ فهل كان، يحاول التجريب من أجل ذلك حسب أو انه يحاول طرح ستراتيجية أدبية عميقة أو يطمح إلى تضمين وضعها خلف هذا السرد؟ فإن كان الأخير هذا هو القضية، إذن ما هو الهدف الكبير الذي ينوي ديستويفسكي تقديمه بوصفه أو باعتباره أعظم أحد المبدعين في القرن التاسع عشر: يُعدّ ساردا ً غير معتمد عليه”.
وفي حقل (نصوص) قدّم الكاتب المصري أحمد فضل شبلول “قصائد من السايكو السكندري”، وقدّمت الكاتبة التونسية زهرة الظاهري قصة قصيرة بعنوان “آهات مكتومة”.
وفي حقل (تشكيل) كتب هيثم عباس عن بغداديات الفنانة التشكيلية ميساء محمد السّراي، وقد رأى فيها أن المرأة البغدادية تشكل مركز مدار البغداديات الرسموية، وتوقف الكاتب عند نقطتين من تفاصيل الحياة البغدادية في أعمال السّراي: الاولى – الانهمام بذات المرأة البغدادية من حيث أدواتها الجمالية كالتراجي والأساور والعقود وشريط الشعر والعباءة.
الثانية – الاهتمام بالأمكنة المألوفة المحيطة بالمرأة البغدادية كالبيت والقبب والمآذن والأهلّة ورموز النخلة والابواب والسوق الشعبية.
وتضمنت (نقطة ابتداء) لـ رئيس التحرير “مقاربة خلافية في: العورية والأسلمة والقومنة” وقد جاء فيها: “من الخطأ أسلمة العروبة، لأنها هوية وماهية وثقافة سبقت الإسلام، وهي اللسان سواء كانت العرب عاربة أو مستعربة، وبذا فالعروبة ليس لها علاقة بالدين، لهذا تكمن طاقة الخطأ في أسلمة ما هو غير إسلامي بالأساس”.
وجاء فيها أيضاً: “إن العروبة لا تعني القومية، ولا تحيل إليها، وانما تعني العربي وعلاقته بالآخر، لهذا ينبغي التمييز بين العروبة والقومية، فالقومية ايديولوجيا سياسية، والعروبة هوية ولغة وتاريخ، ومن الخطأ ربط القومية بالاسلام أو المساواة بينهما، فالأيديولوجيا ليست بديلة عن الدين، والدين ثقافة وليس عبادة فقط”.
ويتساءل الكاتب: هل جاء الإسلام كدين لتوحيد القوميات أم لإحتواء الأديان الأخرى؟ وهل ثمة تناقض بين الإسلام والعروبة في هوية الأمة العربية الإسلامية؟
ورغم عروبة الإسلام من حيث الخصوصية العربية التي تجوهرت في “البيان العربي”، فقد تخطي الإسلام – عروبته العربية عابرا ً حدود القوميات والحضارات والجماعات البشرية الأخرى، ليس لأن العرب هم الحاضنة العربية للإسلام، وإنما لان الإسلام هوية وماهية متحرّكة بأفق انساني.