يعاملون وكأنهم مذنبين
الصباح الجديد – متابعة :
بينما يتلقى العاملون في قطاع الصحة الاشادة والترحاب في دول عديدة في العالم خصوصا وأن حياتهم أصبحت على المحك في معركتهم ضد كورونا المستجد، قد يشهد منهم في دول أخرى بعضا من العدائية والشكوك.
في مصر دخل الطبيب المصري أحمد نجم في عزل ذاتي في بيته، بعدما ظهرت عليه أعراض مشابهة لجائحة كوفيد-19، إلا أنه فوجئ بمطالبات عديدة من جيرانه بالرحيل خشية أن ينشر بينهم الفيروس المستجد.
وعلى الرغم من أن حكومة البلد العربي الأكثر سكانا حرصت على مدح وتشجيع العاملين في مجال الصحة، حتى أنها أطلقت عليهم لقب «جيش مصر الأبيض»، في اشارة إلى معطف الأطباء، ما يزال الكثير منهم يواجهون سوء المعاملة من قبل البعض في المجتمع.
وكان نجم أجرى على نفسه اختبار كشف كورونا المستجد وعلى الرغم من أن النتيجة كانت سلبية، إلا أن واقع تعامله بشكل متكرر مع حالات المرض المشتبه بها دفعه إلى أن يقرر عزل نفسه كإجراء وقائي.
وبينما كان الطبيب ذو الـ 31 ربيعا ينعزل عن العالم الخارجي، لم يسلم من شائعات جيرانه، بمحيط سكنه في محافظة الإسماعيلية، عن إصابته بالعدوى ورفضه للعلاج.
وعلى الرغم من محاولات الطبيب البائسة لتوضيح أمره إلى العامة، لم تتوقف مضايقات السكّان ومطالبتهم له بالرحيل «لأن هناك العديد من الأطفال وكبار السن»، على حد قوله لوكالة فرانس برس.
ووصلت المضايقات إلى تقديم تقرير إلى الشرطة ضد نجم الذي اضطر تدريجيا إلى الرحيل والبحث عن مكان آخر.
وقال لفرانس برس «أُصيب الناس بحالة من الهلع و الأمر أصبح مبالغا فيه وكأنه بالضبط وصمة عار .. كأننا (الأطباء) أصبحنا منبوذين».
العاملون الصحيون في مصر كغيرهم في أماكن كثيرة أُنهكوا وهم يصارعون فيروس كورونا المستجد لساعات طويلة مع ارتفاع عدد الحالات وبالتالي زيادة احتمالية إصابتهم بالمرض.
وثبٌت اصابة حالات عديدة من الأطقم الطبية في عدد من مستشفيات القاهرة والمحافظات الأخرى.
ومن بين 43 أصيبوا بالمرض، تُوفي أربعة أطباء، حسب بيانات نقابة أطباء المصرية.
ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، يمثل العاملون في مجال الصحة حوالي 13% من إجمالي حالات الإصابة بـالوباء المؤكدة في مصر، والتي تجاوزت 3000 حالة بينهم 250 حالة وفاة.
كما اعترضت مجموعة من القرويين في محافظة الدقهلية في دلتا النيل، على دفن جثمان طبيبة توفيت اثر اصابتها بكوفيد-19. وقامت السلطات بتفريق تظاهرات الأهالي التي استمرت لساعات اعتراضا على دفن الجثمان، كما تم توقيف 23 شخصا في إطار تحقيق قرر النائب العام المصري حمادة الصاوي فتحه في الواقعة التي وصفها بـ»عمل ارهابي».
وقدّم رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي العزاء لعائلة الطبيبة وقال في بيان مخاطبا العاملين في الصحة «لا تلتفتوا لهذه الصغائر، ولا تشغلكم هذه الممارسات والمواقف المشينة من البعض عن معركتكم الشريفة».
وتقول ممرضة مصابة بكورونا المستجد من المحافظة نفسها إنه كان يتم الاتصال بها وآخرين من زملائها المصابين من غرباء، بعدما وجدوا اسماءهم منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقالت في مقطع فيديو نُشر على منصات التواصل وكانت ترتدي كمامة على وجهها «وجدنا ناس تتصل منهم من كان يقول قولا حسنا، ولكن كان منهم من يقول أننا من نشرنا الوباء وأننا مصدر العدوى».
وأضافت «لقد تعبنا بالفعل وحالتنا النفسية أصبحت مدمرة». وقالت دينا عبد السلام، طبيبة من الاسماعيلية، إن جيرانها وصموها لأنها تعمل في مستشفى تتلقى حالات يُشتبه بإصابتها بكورونا المستجد.
وبعد انتقالها إلى سكن جديد لتكون بعيدة عن عائلتها كإجراء وقائي، فوجئت عبد السلام بجيرانها يصرخون في الشارع ويتهمونها بـ «جلب المرض» إلى المنطقة.
وعلى الرغم من تدخل الشرطة واعتذار جيرانها في نهاية الأمر، تقول عبد السلام في مقطع فيديو انتشر على الانترنت «لا أتقبل الاعتذار .. لقد أصبح الطبيب مثل شخص مشبوه». وأضافت «حرام عليكم ما تفعلونه بنا .. يكفي ما نعانيه».
ويشكو أطباء آخرون من القاهرة ومن الإسكندرية وأماكن أخرى على فيسبوك من رفض بعض سيارات الأجرة نقلهم أو رفض عمّال توصيل الطعام للمنازل من تنفيذ طلباتهم بسبب مخاوف العدوى.
وقال ممثل منظمة الصحة العالمية في مصر جون جبور لفرانس برس إن مثل هذه المعاملة للعاملين في الرعاية الصحية «يمكن أن تجعل الوضع الصعب بالفعل أكثر صعوبة».
وعلّق «إن استهداف مقدمي الخدمات الأساسية… سوف يضعف معركتنا ضد كوفيد-19 ويمكن أن يضر بشدة الأمة بأكملها».
ومع تصاعد الشكاوى، أفادت وسائل الإعلام المحلية أن مجلس النواب يبحث تجريم «التنمر» ضد العاملين في الصحة.
في الوقت نفسه، ظهر مؤخرا العديد من المصريين في مقاطع الفيديو الأخيرة بُثّت على الإنترنت يتجاهلون قواعد التباعد الاجتماعي التي تهدف إلى الحد من خطر العدوى في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 100 مليون نسمة.
وقالت الصيدلية هبة الفقي التي أجبرت مؤخرا على الخروج من سيارة أجرة لكونها عاملة صحية «انهم يخرجوا (ما بداخلهم) ضدنا بدلا من توقفهم عن العادات التي من الممكن أن تعرضهم للمرض».