اليكس فاتانكا*
مع تصاعد مستويات العنف العرقي والطائفي في العراق, في ظل وجود مايسمى بتنظيم الدولة الاسلامية, قد تبدوصورة ايران كدولة مستقرة, وسط منطقة الشرق الأوسط التي تمزقها الصراعات, قصيرة الأمد. وتواجه حكومتها التي تكافح لإدارة الاقتصاد المتداعي وتدير بصعوبة ملف المفاوضات النووية مع المجتمع الدولي, الآن تساؤلات جدية حول سياستها مع العراق وفكرة «الفائز يأخذ كل شئ» قد تهدد في نهاية المطاف الأمن القومي الايراني.
تظهر سياسة إيران تجاه جارتها أن لديها هدفين أساسيين: أولهما الحفاظ على نفوذها هناك، وثانيا منع أي امتداد للصراعات العرقية الدائرة في العراق الى مجتمعها المتعدد الأعراق والطوائف ذو الطابع الخاص جدا. وبالرغم من تقديم إيران الدعم العسكري للحكومة العراقية الا ان المسؤولين الإيرانيين يخشون أن هذا التدخل قد يجر ايران إلى حرب أهلية مفتوحة, وهو احتمال وارد.
وكانت ايران قد اتخذت خطوة مهمة في هذا الاتجاه, حيث بادرت, بعد سقوط الموصل يوم العاشر من حزيران, عندما انهزمت قوات الجيش العراقي في مواجهة بضع مئات من مقاتلي داعش ومع فقدان رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي سيطرته على البلاد، بأرسال مستشارين عسكريين وطائرات من دون طيار، حسب بعض التقارير غير المؤكدة، وطائرات مقاتلة يقودها طيارون إيرانيون.
كان قرار التدخل هذا جريئا وغير مسبوق، فقد كان القادة الايرانيون حذرين دائما بشأن التدخل في دول أخرى، وفضلت ايران دائما أن تعمل من خلال وسطاء، مثل حزب الله في لبنان. وعندما أقتحمت حركة طالبان الأفغانية, وهي حركة سنية متطرفة تجاهر بكراهيتها لإيران, مدينة مزار شريف وأعدمت ثمانية دبلوماسيين إيرانيين في آب عام 1998، حشدت إيران 70,000 جندي على الحدود وهددت بالغزو. لكن المجلس الاعلى للامن القومي الايراني قرر بعد بضعة أيام، أن اي غزو, وعلى الرغم من قدرتها العسكرية على القيام به، الا انه لايستحق المخاطرة. كما نفت ايران مؤخرا ان تكون قامت بتقديم اي دعم للرئيس السوري بشار الأسد، رغم وجود أدلة واضحة تثبت العكس.
ومع ذلك فأن الوضع يختلف كثيرا مع العراق، فهناك تعتقد ايران أنها ستخسر الكثير اذا اتخذت موقف المتفرج. فالعراق أصبح أقرب حليف عربي لايران بعد وقت قصير من سقوط نظام صدام حسين عام 2003. إضافة إلى وجود علاقات سياسية وثيقة، وارتفاع حجم التجارة الثنائية إلى 12 مليار دولار في عام 2013. ونتيجة لذلك، أضحت إيران آلان اكثر وضوحا حول ضرورة التدخل.
لكن سياسة التدخل هذه لها معارضيها, بالاضافة الى ضرورة حماية الحكومة المركزية في بغداد، يتسائل بعض المعارضون عن مدى صحة فرضية ان الأغلبية الشيعية في العراق تعني هيمنة السياسة الشيعية. وفي هذا الجانب حذرت صحيفة اعتماد الإيرانية المعتدلة، من أن دعم إيران للمالكي قد أبعد, في نفس الوقت, الكثير من السنة والأكراد العراقيين على مدى السنوات الثمان الماضية، ونظرا لطبيعة المجتمع العراقي المتعددة الأطياف, وتبني نظام ديمقراطية الأغلبية على أساس كتلة انتخابية شيعية موحدة, فأن هذا سيعني بالتأكيد استمرار الأزمات في العراق.
بينما دعا آخرون الحكومة الإيرانية للتفاوض مع المملكة العربية السعودية والقوى السنية الأخرى في الشرق الأوسط للتوصل الى اتفاق إقليمي بشأن العراق. لكن من غير المرجح أن يحدث هذا ,طالما ان ايران وخصومها الرئيسيون في المنطقة، دول الخليج (بقيادة المملكة العربية السعودية) وتركيا، يتبنى كل منها أراءا مختلفة تماما من حيث الحسابات الجيوسياسية. وفي الواقع، فأن دعم إيران الكبير للحكومة العراقية التي يقودها الشيعة, كان يهدف اساسا إلى استباق المنافسة من الخصوم الإقليميين.
لكن منتقدي التدخل الإيراني يعتقدون ايضا أن هناك طريقا وسطا, هو الحوار بين الأطياف المختلفة في العراق والتوصل الى حل وسط مع تركيا ودول الخليج, ولايعني هذا بالضرورة فقدان النفوذ الإيراني في العراق. وكانت ايران قد تغاضت مؤخرا عن إزالة المالكي لصالح حيدر العبادي، وإذا كانت هناك حاجة لإعادة النظر في سياسة أوسع لردع تهديد «داعش»، فليكن.
ربما يظن القادة في ايران أن بلدهم لا يقهر، لكن المخاوف تتزايد من ان التدخل الاقليمي واسع النطاق, يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.
إحدى هذه العواقب هي تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم للشيعة والسنة والأكراد. وقيام دولة كردستان الذي قد يشجع على إثارة الأقلية الكردية التي يبلغ قوامها سبعة ملايين شخص في إيران، اضافة الى الأقلية السنية التي تشكل نحو 10٪ من السكان, أغلبهم من العناصر المسلحة وبأمكانهم التعبئة ضد الحكومة. وقد تسفر جهود ايران المتزايدة للحفاظ على نفوذها في العراق عن هذه النتيجة.
باختصار، يمكن لحسابات إيران الجيوسياسية، مهما بدت متأنية، أن تأتي بعواقب لا تحصى على استقرارها الداخلي, ناهيك عن استقرار العراق والشرق الأوسط بأكمله.
* زميل أقدم في معهد الشرق الأوسط
عن «بروجكت سنديكت»
ترجمة : أسيل نوري