في الوقت الذي شعر فيه العراقيون بفرحة كبيرة إثر الموافقة على ضم آثار بابل على لائحة التراث العالمي، بعد جهود كبيرة قام بها مجموعة من العراقيين الشرفاء، سواء كانوا مسؤولين أو نشطاء او مواطنين اعتياديين، ثمة هاجس من الريبة والخوف، ينتاب المهتمين والمختصين بالآثار والتراث، والقريبين على واقع مدينة بابل التاريخية ومحافظة بابل بصورة عامة. صحيح، أن استباق الأحداث وإضفاء نظرة تشاؤمية على الأحداث قبل وقوعها، غير محبذ ولا يستقيم مع الواقع والمنطق، لكن ثمة معطيات لابد من ذكرها، وثمة خطوات مهمة يجب أن تتحقق كي نحافظ على الانجاز الوطني الذي تحقق. إن إعلان بابل ضمن لائحة التراث العالمي، يعني أن بابل لم تعد ملكا للعراق وحده، بل ملك للإنسانية كلها، ملك للعالم، وان السياقات الادارية والقانونية التي كانت تسري على بابل لم تعد قائمة، حيث ان السياقات التي تتبعها المنظمة الدولية والتي تسري على جميع المواقع الآثارية سوف تسري على بابل أيضا.. ثم لا يكفي أن يعلن البنك المركزي، تخصيص مبلغ مليار دينار لغرض صرفها على متطلبات اعلان بابل جزء من التراث العالمي، اذ يجب أن تكون هنالك رؤية واضحة المعالم، رؤية تتضمن كيفية الاستفادة من الأموال التي ستتدفق على المدينة، وتشخيص الاحتياجات والنواقص التي تعاني منها المدينة كي تكون مثل غيرها من المواقع الأثرية. بابل المدينة التاريخية والمحافظة بصورة عامة، تعاني اليوم من مأساة كبيرة، تتمثل بعدم وجود تخطيط فعلي يشخص المشكلات والأزمات التي تعاني منها المدينة، بالتالي حلها على وفق ما متوفر. بابل تحتاج الى طاقات إدارية وسياسية خاصة، تستطيع انتشالها من واقعها المزري والنهوض بها، خصوصا وان بابل لم تعد بابل المنسية والتي يسمع العالم عنها ولا يعرفها او يزورها.. النصر الذي تحقق اليوم، مرهون بأن تغير الحكومتان المركزية والمحلية، سياستيهما القديمة، وأن تمنحها إدارة المدينة الى مختصين من أبناء المدينة وأبناء الوطن، بدلا من إبقاء بضعة أشخاص غير مختصين بالآثار ولا بالثقافة، وغير قادرين على تفهم محنة بابل وآثارها التي تعاني من الإهمال والتخلف. وكانت أولى بوادر الاحباط هو كثرة أعضاء الوفد العراقي، المشارك في مؤتمر باكو، خصوصا وان أغلبهم لا علاقة لهم بالتاريخ والآثار، وبعضهم كان يملك القدرة والصلاحية على تغيير واقع بابل نحو الأفضل، لكنها بقيت مكبا للنفايات والاهمال والتردي الخدمي والعمراني.. هذا الموقف، قد يكون موجودا في الأيام المقبلة، حين تبدأ الحكومة حملتها لتأهيل بابل وصرف المليار دينار التي خصصها البنك المركزي.. الأيام المقبلة، ستحدد، فيما اذا كان طريق بابل معبدا نحو العالمية والدخول فعلا في قائمة التراث العالمي، أم انه سيبقى حبيس السياسات الخاطئة والتخبط الاداري..
سلام مكي