سلسلة مقالات من كتاب (مجلة لقمان)
شوقي عبد الامير
كانت عثمة بنت مطرود البجلية ذات عقل ورأي مستمع في قومها، وكانت لها أخت يقال لها خود، وكانت ذات جمال وميسم وعقل؛ فخطب سبعة إخوة غلمة من بطن الأزد خودًا إلى أبيها، فأتوه وعليهم الحلل اليمانية، وتحتهم النجائب الفره؛ فقالوا: نحن بنو مالك بن غفيلة ذي النحيين، فقال لهم: انزلوا على الماء، فنزلوا ليلتهم، ثم أصبحوا غادين في الحلل والهيئة، ومعهم ربيبة لهم يقال لها الشعثاء: كاهنة، فمروا بوصيدها4 يتعرضون لها، وكلهم وسيم جميل، وخرج أبوها، فجلسوا إليه، فرحب بهم، فقالوا: بلغنا أن لك بنتًا، ونحن كما ترى شباب، وكلنا يمنع الجانب، ويمنح الراغب، فقال أبوها: كلكم خيار، فأقيموا نرى رأينا، ثم دخل على ابنته، فقال: ما ترين، فقد أتاك هؤلاء القوم؟ فقالت: «أنكحني على قدري، ولا تشطط في مهري، فإن تخطئني أحلامهم، لا تخطئني أجسامهم، لعلي أصيب ولدًا، وأكثر عددًا» فخرج أبوها، فقال: أخبروني عن أفضلكم.
قالت ربيبتهم الشعثاء الكاهنة: «اسمع أخبرك عنهم: هم إخوة، وكلهم أسوة أما الكبير فمالِك، جريء فاتك، يتعب السنابك، ويستصغر المهالك. وأما الذي يليه فالغمر، ببحر غمر، يقصر دونه الفخر، نهد صقر. وأما الذي يليه فعلقمة، صليب المعجمة، منيع المشتمة، قليل الجمجمة. وأما الذي يليه فعاصم، سيد ناعم، جلد صارم، أبي حازم، جيشه غانم، وجاره سالم، وأما الذي يليه فثواب، سريع الجواب، عتيد الصواب، كريم النصاب، كليث الغاب. وأما الذي يليه فمدرك، بذول لما يملك، عزوب عما يترك، يفني ويهلك. وأما الذي يليه فجندل، لقرنه مجدل، مقل لما يحمل، يعطي ويبذل، وعن عدوه لا ينكل».
فشاورت أختها فيهم، فقالت أختها عثمة: «ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل؟ « اسمعى مني كلمة، إن شر الغريبة يعلن، وخيرها يدفن، انكحي في قومك ولا تغررك الأجسام، فلم تقبل منها، وبعثت إلى أبيها: أنكحني مدركًا، فأنكحها أبوها على مائة ناقة ورعاتها، وحملها مدرك؛ فلم تلبث عنده إلى قليلا، حتى صبحهم فوارس من بني مالك بن كنانة، فاقتتلوا ساعة، ثم إن زوجها وإخوته وبني عامر انكشفوا، فسبوها فيمن سبوا؛ فبينما هي تسير بكت، فقالوا: ما يبكيك، أعلى فراق زوجك؟ قالت: قبحه الله، قالوا: لقد كان جميلًا! قالت: قبح الله جمالًا لا نفع معه؛ إنما أبكي على عصياني أختي، وقولها: «ترى الفتيان كالنخل، وما يدريك ما الدخل» وأخبرتهم كيف خطبوها، فقال لها رجل منهم يكنى أبا نواس شاب أسود أفوه مضطرب الخلق: أترضين بي، على أن أمنعك من ذئاب العرب؟ فقالت لأصحابه: أكذلك هو؟ قالوا: نعم، إنه مع ما ترين ليمنع الحليلة ، وتتقيه القبيلة، قالت: هذا أجمل جمال، وأكمل كمال، قد رضيت به، فزوجوها منه.