إحساس مرير ان نشعر باننا حبيسو دائرة مغلقة، لا نستطيع الإفلات منها، مهما حاولنا، او رغبنا بذلك. ونظل ندور في محيطها، نبحث عمن يشاركنا إياها، لكن.. نظل متوحدين معها عاجزين عن الفكاك منها، انه إحساس المرء بالوحدة.
الوحدة، إحساس الفرد بالعزلة، فلا ينحصر معناها بتواجدنا بمكان معين من دون رفقة، بل يتعداه الى ما هو أخطر من ذلك، ان نشعرها ونحن وسط الأهل او الأصدقاء، فيتولد لدينا إحساس بالانعزال الروحي او النفسي.
الشعور بالتوحد او الانكفاء على الذات له أسباب عديدة، أهمها الاعتقاد “والذي يمكن ان يكون خاطئا” بان لا أحد يمكن له ان يكون صديقا متفهما، او قد يكون الخوف من خيبة ظن، كسرت وهشمت خاطرنا يوما ما، هو السبب، ومع اننا استعنّا بكل قوتنا لطرده من جوفنا، لكننا لم ندر انه وبخبث، قاد معه الإحساس بالأمان ليرحل معه أيضا. الخيبة، ذلك الإحساس الموجع، وبقدر سمو الأمل بالشخص او الحدث، تكون قسوة سقطة الخيبة، فهل يكمن الخطأ في اننا نحط أملنا بمن لا يستحق شرف الثقة هذا، ام ان الغلو بالائتمان، هو الجرم الذي ارتكبناه بحق أنفسنا. فاستحضرنا به إحساس الوحدة الغليظ.
قد تنتج الوحدة عن الاسراف، تلك الصفة المذمومة، اجتماعيا ودينيا، فعندما يتعلق الأمر بالعواطف يكون خطرها اشد وقعا على النفس، فتبديد المال يمكن ان يضعنا بمأزق ما، ويمكن ان يوقعنا بمشكلات نحن في غنى عنها، لكن ماذا لو اضعنا بإمعاننا بالمشاعر تجاه من لا يستحق، احساسنا بالثقة، والأمان؟ ستكون النتيجة إحساسا موجعا بأن الكون بكل مدياته، فشل بمساعدتنا للعثور على رفيق ينتشلنا من وحدتنا.
في لحظة ولادتنا نكون صفحة بيضاء، فلا هوية واضحة، ولا فكر صريح. لكن ما نمر به من احداث وما يطرق اسماعنا من كلمات، هو ما يحفر بصخرة الذاكرة دروبا، واحلاما، وامالا، واراء، ومشاعر، يمكن لنا ان نسقيها بالمعرفة والعقلانية كي تنبت ثمار معرفة حصيفة، لا تشوبها شائبة. فلا غلو بأمل وبالضرورة لا غلظة بخيبة رجاء. فنطير بأجنحة المنطق والاعتدال بعيدا عن ارض الإحساس بالوحدة أو الانعزال.
ما أسهم اليوم بازدياد حالة الانعزال والتوحد لدى الكثير من الافراد، التكنلوجيا بجميع أنواعها واشكالها، حيث دخلت من الباب لتحتل كل زاوية في البيت، فخرجت الألفة التي اعتدنا عليها سابقا من الشباك. وانقطعت سلاسل التواصل والأحاديث بين افراد الاسرة. كل واحد منا صنع له عالما افتراضيا، يدخل اليه بمزية قد تختلف جذريا عن صورته الحقيقية، ليكتب ما يشاء من دون استحياء او حذر، او يمارس مكره ومكائده ضد فلان او علان من الناس. ليعزز شعور الوحدة داخله، فقد صنع من نفسه خيالا زائفا، اذ كل حديث او حوار يدور بينه وبين الاخرين لم يكن موجها له هو تحديدا، بل لذلك “الزور” المتجسد به.
الوحدة مثلها مثل أي حالة مرضية، علاجها يكمن داخلنا، فمثلما استقدمها باطننا من المحيط حولنا، نستطيع ان نطردها بالمحيط ذاته، لكن بأسلوب مختلف وطبيعة تفكير مختلفة، فلا يمكن ان نتوقع التغيير فيما يحيطنا، من دون ان يكون لنا دور فاعل وملموس نبدأه بنا.
أحلام يوسف
الخلاص من الوحدة
التعليقات مغلقة