بغداد.. بين الحضارة والإدارة

العواصم ، تختلف عن سواها من مدن العالم .. العواصم ، ادارة وحضارة وبهاء وجمال وخدمات متميزة .. العواصم واجهة البلدان امام البلدان .. ولهذا فان اختيار أي مدينة لتكون عاصمة انما يخضع لمعايير وشروط ومواصفات لا تتوفر في غيرها من المدن الاخرى .. ولأنها كذلك فستكون محط انظار ابناء البلد الاخرين ، فدائما تجدهم يحلمون ويمنون انفسهم بان يتنعموا بجمال وبهاء وخدمات العاصمة .. ومن هذه النقطة بالتحديد ولعدم وجود ما يمنع السكان الاخرين من ذلك ، بدأت العواصم تشهد زحفا هائلا ومبررا في الوقت ذاته ، فالمدن الاخرى تعاني من قحط تنموي ينعكس سلبا على واقع الحياة .. هذا الحال تسبب بنمو كتل بشرية هائلة في العواصم ، فغالبا ما نجد سكان اي عاصمة يمثلون ربع او ثلث سكان البلد او اكثر من ذلك .. وعاصمتنا بغداد مصداق لذلك ، فسكانها اليوم يمثلون 21% من مجموع سكان العراق بعد ان تجاوز عددهم 8 ملايين انسان وهناك فارق عددي كبير بينها وبين ثاني اكبر محافظة تأتي بعدها بعدد السكان ..
ومن المؤكد ان الاكتظاظ السكاني الهائل مع تركز جميع الادارات الحكومية (مؤسسات الدولة كافة) وكذلك المراكز التجارية والثقافية والترفيهية الكبيرة ، يجعل من العيش في العواصم صعبا جدا من حيث غلاء المعيشة اولا وعدم توفر الخدمات بما هو مطلوب ثانيا ، فضلا عن حالة التعقيد التي تسود الواقع الحياتي اليومي .. مثل هذا الواقع المعقد ، دفع الكثير من البلدان إلى القيام بعملية انفتاح على الاجنحة بهدف سحب الزخم المتركز في مراكز العواصم وضمن مساحات محدودة ، وقد نجحت تلك البلدان في تجربتها وحققت الاهداف المطلوبة من مثل هذا الاجراء ..
والعاصمة بغداد لا تختلف عن بقية عواصم الدنيا ، فهي مكتظة لدرجة الاختناق ، وبات التنقل بين جناحيها (الكرخ والرصافة) صعبا جدا بعد ان غزتها نحو مليوني سيارة .. ومن المؤكد اننا تأخرنا في اقتفاء اثر الذين سبقونا في فتح اطراف عواصمهم ، ومرد هذا التأخير انما يعود إلى الظروف التي عاشتها بغداد والتي لم تتح الفرصة لها لان تفكر بمثل هذا الفعل .. ولكن اخيرا جاءت المبادرة وخطونا الخطوة الأولى ، فان نبدأ متأخرين خير من ان لا نبدأ ابدا .. والمبادرة التي اتحدث عنها هي ذلك المشروع الذي تقدمت به وزارة التخطيط بوصفها الجهة المعنية بالتنمية المكانية ، وبحسب ما اعلنت الوزارة ان المشروع يتضمن مسارين اثنين ، المسار الاول يقوم على اساس انشاء مدينة ادارية تمتد على مساحة تقدر بنحو 50 كيلو مترا مربعا تقع جنوب شرق مركز العاصمة (منطقة بسماية) وهذه المدينة الادارية ستحتضن مقرات اغلب وزارات ودوائر الدولة الواقعة ضمن الشريط الممتد من نصب الجندي المجهول غربا لغاية نصب الشهيد شرقا ، وإذا استعرضنا هذه المنطقة المكانية نجدها تتركز في مركز العاصمة وتضم الغالبية العظمى من الوزارات والمؤسسات الحكومية المهمة ، التي ستتحول إلى المدينة الادارية الجديدة ، فيما يتم تحويل هذا الشريط إلى مركز حضري (ثقافي – اجتماعي – سياحي) يمكن ان يكون متنفسا ومركزا مهما في العاصمة .. وهنا سنحقق اهدافا عدة ، من بينها فك الاختناق الذي تعاني منه العاصمة لاسيما في مجال النقل والخدمات ، وإعادة الحياة لمركز العاصمة ، اذ من الملاحظ ان المناطق التي تتواجد فيها المباني الحكومية تنعدم فيها الحياة في الفترة المسائية ، على الرغم من كونها تعد مركز العاصمة .. وفي الجانب الاخر ستدب الحياة في الكثير من المناطق البعيدة عن مركز العاصمة ، وسيكون هناك نشاط اقتصادي هائل يسهم في توفير مئات الالاف من فرص العمل للشباب .. اما عملية التنفيذ ، فمن المؤكد ان هناك الكثير من الشركات العالمية المستعدة للاستثمار في هذا المشروع وبالتالي فانه لن يكون عامل ضغط على الموازنة العامة للدولة…
عبدالزهرة محمد الهنداوي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة