كانت والدتي رحمها الله تقول ان العراق “مثل الگمر مضوي على الناس ومخسف على نفسه” ويبدو انه كذلك بالفعل، لأننا نسمع عن مبدعين كُثر اضاءوا العالم بإشراقات انجازاتهم التي بقي العراق عطش لمثلها.
نذكر على سبيل المثال لا الحصر المهندسة المعمارية زها حديد التي عاب عليها الكثير من العراقيين بعد موتها، انها لم تقدم للعراق شيئا يستحق الذكر، مع انه بلدها الأم، ونسوا ان يطرحوا على أنفسهم سؤالا مفاده هل كانت لتستطيع ان تبدع وتقدم كل ما يجول بفكرها للعراق؟ الابداع يحتاج الى بيئة حرة، وهذا يعني ان تكون خالية من الفساد، فكيف لها ان تبدع اذن، والعراق يحتل المراكز الأولى بالفساد الإداري؟
قبل أيام عدة شاهدت مع الملايين افتتاح مهرجان الجونة السينمائي، والذي يشرف عليه المبدع العراقي انتشال التميمي مدير المهرجان، ويبدو انه استطاع انتشال اسمه من فوضى بلده، ليستقر به الحال في مصر، التي احتضنته بذكاء لتستعين به بإدارة مهرجاناتها، وليقدم لها عصارة جهده وابداعه، فينتج مهرجانات تضاهي بتنظيمها وتفاصيلها البسيطة والكبيرة، المهرجانات العالمية، التي أشرف على بعضها.
لم أكن لأصدق ان التميمي عراقي برغم لقبه الدال على هويته، وبرغم اني اعرف عنه الكثير وسمعت عنه اكثر، لكني بقيت انتظر كلمة ولو قصيرة منه لأتأكد انه عراقي، ولأندب حظنا الذي جعل أسماء مبدعينا تتألق بسماء غير سماء العراق.
كان الافتتاح مبهرا بما قدم من فقرات تمثلت بحفل الافتتاح، ومن ثم الأفلام العالمية المشاركة، والضيوف الذين أتوا من كل حدب وصوب ليشاركوا بمهرجان، ولد حديثا، لكنه من الأهمية والتنظيم بمكان ان جعل نجوم العالم يقبلون على المشاركة به.
عندما نتحدث عن مصر لابد لنا ان نقارن الحال مع العراق، الذي اقام مهرجانا للسينما العالمية، “مع اننا نفتقر الى صالة سينما سوى ما استحدث في المولات”، المهرجان كان دون المستوى، من دون ان نعقد مقارنة مع أي مهرجان اخر في أي دولة، حتى مهرجان بغداد عاصمة الثقافة، لم يكن بالمستوى الذي يجعلنا فخورين بما قدم خلاله والسبب دائما الفساد الإداري، فالكل يريد ان يستفيد، وأصبحت المهرجانات فرصة للربح فقط، لذلك فمن يفكر بدعم، يفكر قبلها بما سيعود اليه من فائدة.
في مصر مثلما هو الحال في كل دول العالم يقوم مدير المهرجان بوضع خطة تبدأ بحفل الافتتاح، وتنتهي بحفل الختام، والداعم لها يتكفل بدفع التكاليف المادية. أحد مؤسسي مهرجان الجونة وداعميه، رجلا الاعمال المصريين سميح ونجيب ساويرس. عندما سئل سميح عن تكلفة المهرجان قال ان الحساب الختامي للميزانية لم ينته بعد، لكن الأهم انه تحدث عن الهدف الرئيس من تدشين المهرجان، قائلا انه فرصة لإحياء التراث المصري العريق، أقدم الدول التي بدأت في صناعة الأفلام، واسست “استديو مصر” الذي كان يضاهي استوديوهات هوليوود نفسها.
اين نحن من هذا الحب للبلد؟ فان كانت وزارة الثقافة غير قادرة او غير مهتمة بالموضوع، فما بال رجال الاعمال العراقيين الذين تبلغ ثروات بعضهم اضعاف ما يمتلكه أبناء ساويرس، هل من محب للعراق وتاريخه يفكر بدعم مثل تلك المهرجانات؟ هل من مخلص لتراث العراق يسعى لان يقدم مقترحا لمهرجان فني، او تراثي، او ادبي، يعرّف العالم بتاريخ وحاضر البلد، ويستعين بأصحاب الخبرة في هذا المجال، ام سيبقى العراق تحت رحمة قانون ابن فلان وخال علّان.
أحلام يوسف
فوضى إدارية
التعليقات مغلقة