تركيا تحاول إمسك العصا من وسطها
متابعة ـ الصباح الجديد:
بدا واضحاً استمرار التباين في شأن التعاطي مع ملف محافظة إدلب (شمال غربي سورية) بين موسكو التي تستعجل إطلاق المعركة وتتفاوض على فتح ممرات إنسانية، وأنقرة التي صنّفت أمس «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) منظمة «أرهابية»، وطرحت مجدداً ورقة «تحييد المتطرفين عن فصائل المعارضة المعتدلة».
في موازاة ذلك، اجتاحت تظاهرات مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، منددة بـ «العدوان الروسي والصمت الدولي». وكان لافتاً هجوم المحتجين على المبعوث الدولي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، مطالبين إياه بـ «تحرك فاعل يجنب المدنيين مجازر».
وألقت واشنطن بثقلها في ملف إدلب، وقال وزير خارجيتها مايك بومبيو أن أي هجوم محتمل هو «تصعيد للصراع السوري»، مضيفاً في تغريدة على «تويتر»: «الولايات المتحدة تعتبر هذا تصعيداً لصراع خطير فعلاً».
ووجه انتقادات إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف لـ «دفاعه عن الهجوم السوري والروسي». وفي تغريدة ثانية، قال بومبيو أن»الثلاثة ملايين سوري الذين أجبروا أصلاً على ترك منازلهم وهم الآن في إدلب سيعانون من هذا الهجوم. هذا ليس جيداً. العالم يشاهد».
وفي مسعى إلى لجم هجوم واسع على إدلب، صنّفت تركيا أمس الاول الجمعة «هيئة تحرير الشام» التي تتمتع بوجود كبير في إدلب، «منظمة إرهابية»، لكن موسكو أظهرت في المقابل تمسكاً بالحسم العسكري، إذ أعلن لافروف إجراء مفاوضات لفتح معابر إنسانية في إدلب لتقليل الأخطار التي يتعرض لها المدنيون. كما لمّح في مؤتمر صحافي مع نظيره الإريتري عثمان صالح، إلى إمكان بدء الهجوم على رغم معارضة أنقرة، وقال رداً على سؤال أحد الصحافيين ما إذا كان سيتم التوصل إلى اتفاقات بين روسيا وتركيا في شأن إدلب: «نسيتَ أن تذكُر الجمهورية العربية السورية»، مشيراً إلى أن «المسألة تهُم، بالدرجة الأولى، سلطات سورية الشرعية التي تملك كل الحق في الدفاع عن سيادة البلاد وطرد الإرهابيين من أراضيها للتخلص من خطر الإرهاب، وهذه هي المشكلة الأساسية في إدلب الآن. وعبّر عن رفض بلاده استخدام سورية حجر شطرنج في لعبة دولية بأهداف جيوسياسية أحادية، وشدد على ضرورة الفصل بين عناصر «جبهة النصرة» وغيرها من التنظيمات الإرهابية، كما يصنفها مجلس الأمن، والمعارضة المسلحة المستعدة للحوار مع الحكومة في إدلب.
وقال أن الحكومة السورية ضاعفت الجهود للتوصل إلى مبادرات سلام محلية في إدلب، عبر اتفاقات مع بلدات أو أحياء… كما أن هناك مفاوضات تجرى لإقامة ممرات إنسانية»، ما «يؤكد إجراءات الوقاية المتخذة لتجنيب المدنيين المعاناة» في حال الهجوم.
وكان المبعوث الدولي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا عرض أول من أمس التوجه إلى إدلب لضمان إقامة «ممر إنساني» يتيح إجلاء المدنيين.
وأعلن الكرملين أمس أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيشارك في القمة الثلاثية لـ «ضامني آستانة» (روسيا وتركيا وإيران) والتي تستضيفها طهران الجمعة المقبل، كما سيعقد لقاء ثنائياً مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على هامشها، فيما أوضحت الرئاسة التركية أن أردوغان سيبحث مع نظيريه في تفاصيل الملف السوري، وعلى رأسه الأوضاع في إدلب، والانتقال السياسي.
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن بلاده تسعى إلى منع هجوم على إدلب سيشكّل كارثة. وصرح قبيل مشاركته في اجتماع غير رسمي لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في فيينا: «نبذل جهوداً لوقف هذا الهجوم الذي سيشكل كارثة بالنسبة إلى سورية وإدلب التي يقطنها حالياً 3.5 مليون مدني، وهناك مجموعة من المتطرفين، ونحن نعرفهم منذ البداية، وجرى إرسالهم خصوصاً من حلب والمناطق الأخرى».
وشدّد على ضرورة التعاون من أجل تحييد هؤلاء وفصلهم عن الفصائل الأخرى (المعارضة المعتدلة)، وهذه الطريقة هي الأكثر فاعلية وصحية، وعكْس ذلك سيُحدث مشكلات خطيرة على الصعيدين الإنساني والأمني، وبالنسبة إلى مستقبل سورية والحل السياسي.
من جهة أخرى، حضت الممثلة العليا للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني على تفادي تصاعد الأعمال القتالية في إدلب. وشددت على أن الاتحاد سيخصص أمواله لإعادة إعمار سورية شرط بدء العملية السياسية الدائمة تحت رعاية دولية. وقالت في مؤتمر صحافي مع وزيرة خارجية النمسا كارين كانسل:» وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ناقشوا أثناء المحادثات في فيينا سبل زيادة المساعدات الإنسانية للسوريين، بمن فيهم داخل سورية، مع الحفاظ على الموقف الواضح المتمثل في أن أموال الاتحاد الأوروبي ستصل إلى سورية لإعادة إعمارها فقط بعد إقامة العملية السياسية الثابتة هناك تحت رعاية الأمم المتحدة. وأضافت أن الاتحاد الأوروبي سيعقد اجتماعاً حول سورية على المستوى الوزاري، على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
في غضون ذلك، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس الاول الجمعة، أن إيران «تبطئ من انتشارها البعيد المدى في سورية»، ما عزاه إلى تدخل الجيش الإسرائيلي وأزمة اقتصادية تحيق بطهران بعد تجديد فرض العقوبات الأميركية عليها.
وذكر في مقابلة نشرتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «الإيرانيين قلصوا نطاق نشاطهم في سورية»، مضيفاً: «ليس هناك نشاط في هذه المرحلة» في جهود إيران لبناء مصانع لإنتاج الصواريخ في سورية.
وزاد: «لم يشيّدوا ميناء في سورية وليس لهم مطار هناك، لكنهم لم يتخلوا عن الفكرة. يواصلون التفاوض مع حكومة (بشار) الأسد على إقامة مواقع عسكرية في سورية». واعتبر أن «السبب الرئيسي وراء هذا التوقف هو عملنا الشاق اليومي في سورية».