خلافا للتجارب الثرية والناجحة في الدول الديمقراطية تركت الحياة الحزبية في العراق بعد سقوط النظام السابق اثارا سيئة على الحياة السياسية عامة وعلى المجتمع العراقي خاصة واسهم الارتجال والنوازع الشخصية في تشويه تجربة تأسيس الاحزاب وفي تشويه اخلاقيات العمل الحزبي وباستثناء التجربة الرائدة للحزب الشيوعي العراقي العريق الذي تمتد جذوره الى عمق زمني يمتد مع امتداد انطلاقة تشكيل الاحزاب في العراق بقيت التجارب الاخرى تدور في محور المعارضة للنظام السابق على الرغم من قيادتها للسلطة وتتغطى بغطاء ديني او قومي او مذهبي وتعززت القناعة لدى العراقيين منذ 2003 بان اغلب الاحزاب التي عززت حضورها في المشهد السياسي العراقي بدعم اميركي وبتشجيع عدد من دول الجوار وبتمويل مشروط بالحصول على الولاءات الاقليمية تعززت القناعة لديهم بان المصالح الحزبية هي التي تتسيد برامج هذه الاحزاب وان المصالح الفئوية هي في مقدمة اهداف تلك الاحزاب وان شعارات التضليل وخطابات التأثير بالرأي العام الخالية من المصداقية اسهمت الى حد كبير في شيوع الفوضى وتعاظم الانقسام المجتمعي الذي وصل في مرحلة من المراحل الى مظاهر من الصراع السياسي والاجتماعي والثقافي بين الاتباع والمؤيدين مدعوما باجندات داخلية وخارجية وخلال خمسة عشر عاما من هذه التجربة المشوهة لم يحصل الشعب العراقي على اية مكاسب حقيقية من التداول الحزبي للسلطة وانتجت هذه التجربة تجارب مقيتة ولدت من رحم الاحزاب وتشجيعها وتنظير زعمائها تمثلت بالمحاصصة المقيتة وترسيخ الطائفية وتهميش الكفاءات وتبديد الثروات ومنح الامتيازات لمن لايستحقها وحرمان طبقات من الشعب العراقي من حقوقها التي تحدث عنها الدستور بشكل مفصل وقد آن الاوان كي تتم مراجعة هذه الحقبة المشوهة المبتورة عن ماضي العراق وتاريخه السياسي الذي سجل للاحزاب صيرورة حياتية اسهمت في تأسيس الدولة العراقية في العشرينيات من القرن الماضي ودفعت التجربة الحزبية ابان سنوات الثلاثينيات والاربعينيات بوجوه سياسية شغلت الرأي العام العراقي والعربي والعالمي وشكلت تجربة الحياة الحزبية في تلك الحقبة نجاحا كبيرا اسهم الى حد بعيد في تحقيق خطوات كبيرة في مجال التنمية والاعمار وغابت عنها مظاهر الفساد والفشل بشهادة المؤرخين فيما رافق الانحدار والانقسام والطمع والجشع السلوك الحزبي لمنظومة الاحزاب العراقية بعد 2003 بشكل دفع بالرأي العام العراقي للمطالبة في تظاهراته واحتجاجاته بانهاء اي دور لهذه الاحزاب في المرحلة المقبلة .
د. علي شمخي
تجربة مشوهة !
التعليقات مغلقة