يتناول كتاب “الديمقراطية في أميركا” للباحث والخبير شبلي ملّاط، ظاهرة مهمة للغاية على الصعيد العلمي وعلى الصعيد السياسي، ألا وهي تشريح العملية الديمقراطية، وتشريح النظام الديمقراطي، ولعل أفضل طريقة لإنجاز هذا الهدف المهم في عالمنا وفي بلدنا الباحث بلهفة عن انموذجه الديمقراطي أنه يرتكز على دراسة حالة عيانية مهمة وهي حالة الديمقراطية في الولايات المتحدة.ومن القضايا المهمة في هذا الكتاب ارتكازه الى واحدة من أهم المرجعيات في الدراسات الديمقراطية أليكسس دي توتكيفل الذي يعدّ أهم المراجع المتاحة لدراسة هذه التجربة.
وكذلك تكمن أهمية الكتاب في أنه يشير الى التحولات الجديدة في العالم الراهن وهي تحولات لابد من وضعها في إطارها التاريخي والإنساني.وهو أيضا يرسم الطريق لمجتمع بلا عنف، ومجتمع يرتكز على التعاون والتفاهم الإقليمي المرتكز على نشر قيم المساواة، ومحاربة الفقر، ونبذ الاستغلال الاقتصادي للشعوب.
كما أنه يتيح للقارئ إدراك إمكانية خلق نظام عالمي واسع من دون أوهام التسلط الإمبريالي أو الدكتاتوريات الأيديلوجية، ويعلي بشكل كبير دور العدالة والقضاء في تنظيم التوازن الاجتماعي وتعزيز القيم الحضارية والانتصار للعدل والحياة.
تنشر “الصباح الجديد” حلقات من هذا الكتاب كإسهام في تعميق الجدل والمعرفة وتوسيع دائرة العلم بالمناهج والمراجع الضرورية للعملية الديمقراطية بنحو عام وفي العراق بنحو خاص.
الحلقة 2
شبلي ملّاط:
صحيح ان قنوات ما يعرف بالمجتمع الكوني قد تكاثرت في ظل التسهيلات التي قدمتها ثورة الاتصالات وان الانترنيت قد ازداد من ثلاث ملايين مشترك الى مئتي مليون . واذا كان للأنترنيت قد سمح للمواطن اينما كان واينما تواجد ان يرضه افكاره واحتياجاته للحرية والمجانية غير ان القدرة على الاتصال والتعبير الحر لا يرتفعان الى منحى التمثيل السياسي المختار لان الاختيار الحقيقي لايزال مربوط بعملية ادلاء الناخبين باصواتهم او لشجب صفة التمثيل عنهم فبالرغم من الازدياد الكبير في عدد المنظمات غير الحكومية ونطاق عملها فان هذه الاليات الانتخابية ليست متوفر على الساحة العالمية والشخصية القانونية الطاغية هي الحكومة هي الشخص الوحيد المعترف به في فضاء القانون الدولي وايادها ضعيف في بعض العموم في النظام العالمي الحديث .
وبهذا يزداد التقليص في سلطة الفرد بسبب انعدام دوره في اليات القرار الدولي والشعور بالرغبة الذي يتمثل غالبا الاقناء بان هناك حكومة ضل عالمية تأخذ في الخفاء جميع القرارات الحاسمة او قناعة لدى الكثير بنظرية المؤامرة العالمية يطالان المواطن الاميركي بالنسبة لعدد كبير من الاميركيين يتخذ هذا الشعور منحى الابتعاد عن السياسة الداخلية منها او من الدولية ويؤدي الاستيلاب احيانا الى تعبير عنيف عن الاحباط السائد من ظواهر العنصرية الى التطرف الناجم عن انعدام الثقة التامة في الحياة الاجتماعية مرورا بالقتل الاعتباطي او الانتحار الجماعي اما الخشية من الحكومة العالمية لتعبير المواطن في صياغة الحياة في العامة وشكوك العميقة التي يحملها تجاهه في اميركا القرن الافل.
بالنسبة للناس خارج الولايات المتحدة هناك اسباب مشابهة الى الاستهجان والاستغراب اما المسارات الدولية المجحفة تتخذ مظاهر مختلفة فقد ادى الاحساس بهيمنة القيادة الاميركية الذي من الصعب نفيه او تجاهله الى مواقف واعمال موجهة ضد مواطنين عزل وبات يشكل استشراء النظريات المؤامراتيه.
احد الظواهر الخارجية المميزة للعلاقة المتوترة بين الحكومات وبين الجماعات المهمشة ثقافيا واجتماعيا والمسلوبة القرار سياسيا كما انها غالبا ماتعبر عن هزال التمثيل الحكومي الذي لا يعير شعبه اية اهمية ومع طغيان العولمة على حياة الانسان اليومية تقع مسؤولية خاصة في توفير الجوابات الصحيحة على الولايات المتحدة الاميركية وحكومتها .
من هنا التحديات التي تواجه الرؤساء المقبلين في تحمل هذه المسؤولية: فالعالم هو مسرح قيادتهم شاءوا ام ابو . وفي المقابل شاء الناس خارج الولايات المتحدة ام ابو . فان الانزعاج من السيطرة الاميركية لا ينفي كون حقيقتها ثابتة واستمرارها مرجحا ومن باب التناقض الكبرى انه في حين توخى القادة الأميركيون الاول استمرار القرن المقبل قرنا امريكيا والمحافظة على عباء القيادة العالمية على كتف اميركا فان هم الزعماء السياسيين في الولايات المتحدة ينحصر على العموم في حلقه ناخبيهم الضيقة.
وفي النتيجة ان التحدي الاكبر امام الحكومات الاميركية المقبلة هو الحرص على استمرار زعامتها في عصر العولمة في حين يجد الافراد انفسهم مضطرين الى التخلي عن مزايا كثيرة كانت ترتبط سابقا بنظام الدولة الامة المعهود هذه الرؤية الشاملة لا غنى عنها في الدولة الامة الوحيدة التي ماتزال تتمتع بنفوذ اكيد عالميا , لكنها تطرح أسئلة خاصة . فتحتاج الى جوابات مركبة كما انها تفرض موازين تحدد الاولويات على الساحتين الداخلية والخارجية .
فالديمقراطية في اميركا، وهو عنوان الكتاب الرائد الذي اقدم فيه الكسي دي توكفيل في اوائل القرن التاسع عشر على تحاليل وتصورات عن مال الولايات المتحدة ومستقبل النظام الذي حملته للعالم ، هذه الديمقراطية غدت بالفعل اليوم برنامجا كونيا مع الفارق بان اميركا لم تعد هامشيه في العالم وقد احتلت فيه الصدارة شئنا ام ابينا .
الجزء الأول
توسيع الديمقراطية في النطاق الداخلي
2- تقييم سجل الإدارة الداخلي
الاخلاق والزعامة
لأنه لا مجال لمحاولة صقل المستقبل من دون تقييم صحيح للماضي ،من الضروري اولا تناول الوقائع في سجل الادارة الثانية والاربعين بايجابيتها وسلبيتها فكيف يمكن في ظل هذه الوقائع تقييم السنوات الثماني التي تولى فيها الرئيس كلينتون زمام الحكم ؟
حتى لو لم يتسن لها البعد المتوفر للمؤرخ ،على ايه حكومة ان تعير كامل الاهتمام لما تم انجاز في العهد السابق فينجح الرئيس الجديد في تحسين الوجه الايجابي لهذه التركة ويعالج النواحي السلبية ويتفادى اخطاءها . يبدو هذا الطرح بديهيا ، غير ان ايجابيات عهد الرئيس كلينتون وسلبياته تمتاز بتضارب لا سابق له .فاذا كان التقصير الخلقي ادى الى اول محاكمة رئاسية من نوعها منذ سنة 1868 ،فالانجازات الاقتصادية التي حققتها الادارة ايضا غير مسبوقة .
فمهما قيل ان المحكمة الرئاسية احدثت صدى هز النظام بكل الثقل الذي يتمتع به مثل هذا الحدث الفريد في تاريخ الجمهورية الاميركية ففيما كان السناتورتلو الاخر يدلي بصوته في جلسه المحاكمة الختامية في 12 شباط فبراير 1999 كانت المعضلة امام الجميع بمن فيهم الشيوخ الخمسة والاربعون.
الذين بتوا قرار الاتهام وصوتوا ضد الرئيس ، تتمثل بوضوح في خطورة معاقبه رئيس الجمهورية لقضيه شخصيه .وفي المقابل كان السؤال عن مدى احقيه الرئيس في الاستمرار في الحكم بعدما تمادى في كذبه على الجمهور بهذا الشكل الفاضح سؤال يراود الجميع بمن فيهم الشيوخ الخمسة والخمسون الذين رفضوا التصويت في نهاية المطاف لاقاله رئيس الجمهورية المنتخب هذا باب القصيدة في قيام النظام السياسي في اميركا على طرفي نقيض والجواب على المعضلة التي واجهت المجتمع الاميركي اشهر طويلة هو على درجة كبيرة من الصعوبة وان كان احد لا ينكر طاقات الرئيس كلينتون من علم وذكاء فان الغشاوة الخلقية سوف تبقى سادلة ضلالها الكثيف على نهج الثقافة الشخصية حابسه اي رئيس في الاطار الذي يرتسم في الحد الفاصل بين الحياة الشخصية والحياة العامة وتركه كيلنتون ثقيلة في هذا المجال ولا بد من مراودة المزمنة لرؤساء اميركا في القرن الحادي والعشرون .
وطالما ان التاريخ لا يعيد نفسه بشكل مطلق ، فمن المرجح الا يواجه خلفاء كلينتون في الرئاسة المسار القضائي المنهك ذاته الذي واجهه الرئيس الثاني والاربعون خلال التحقيقات المضنية من البداية قضية وتواتر وحتى الاتهام والتبرئة في قضية مونيكاغيت.ومن المستعبد ان تكرر عملية المحاكمة الرئاسية لعهود عده وقد تداعت القوانين التي كانت تسمح للمحقق المستقل بالاقدام عليها بالشكل المطلق الذي تفرد بممارسه المحقق كينيث ستار .لكن السؤال ابعد من الاشخاص يتعداهم ليطال المؤسسات نفسها، وهي سؤال لا مناص من طرحه من ناحية اثره على تركه اداره كلينتون في تقييمها التاريخي العام.
وفي مقاربة السؤال عن الادبيات السياسة المترتبة على هذا التركة، تبدو الامور وكانها افلتت من عنانها الطبيعي عند مفترقات مختلفة . ففي نظره ضيقة . كانت المشكلة قبل كل شيء مشكلة صلاحيات المحقق المستقبل .فجاء تعطيل قانون محقق المستقل بمنزلة نهاية فاصلة للجدل حول سهولة ملاحقة الرئيس قضائها.
وفي نظرة اوسع ، يمثل قرار المحكمة العليا كلينتون ضد جونس. المنعطف التاريخي الاساسي لرسم الحد الفاصل بين اخلاق الرئيس وتجلياتها في حياته الخاصة ،والنهد الدستورية المرتقب منه.
وفي هذا القرار ، سمحت للمحكمة للدعوة المدنية التي اتهمت بولاء جونس بيل كلبتون بالتحرش الجنسي من ان تأخذ مداها كاملة ،
فشعت المحكمة العليا محامي المدعية على البحث في الحلقات الضعيفة في الاوساط المقربة من الرئيس ,مما نقل التحقيقات من قضية جونس ( وان كان قد ابرم الحكم فيها ) الى علاقه كلينتون بمونيكا لوينسكي ، وفتح الباب على التقصيات في اطباع الرئيس في قالب طغى عليه المنحى الشخصي الصرف .
وفيه اعتبرت محكمة بريطانية ان توقيف حاكم التشيلي السابق بتهمة اشتراكه في مقتل مواطنين اسبان في اقاصي اميركا الجنوبية هو تدبر قانوني محق فقد بان من المطمئن الا يكون احد ، ولا حتى الرئيس الاميركي نفسه، فوق القانون . هذا ماثبت القضاة التسعة في المحكمة الدستورية العليا في قرار كلينتون ضد جونس. لكن لم يعر الانتباه الكافي للقاضي براير الذي عبر عن خشيته عن القرار القضائي المتخذة عمل الرئاسة . وهذا بالفعل ما حدث ، وقد استغرقت عملية المحاكمة اكثر من سنة .
وكان القاضي براير قد نبه في قراره، (ونظرا للاهمية الخاصة لمسؤولية الرئيس ، من ان التهم القضائية قد تؤدي الى تحرير اهتمامات الرئيس من مسؤولياته جزاء الدعوات الشخصية ضده، وان تشكل خطرا على فعالية العمل الحكومي فالدعوة التي تثني المسؤول عن مهماته الرسمية تهدد بضاعة المسؤولية الرئاسية ، في الحاضر كما في المستقبل )وجاءت تنبؤات براير في محلها في حين لا المحكمة العليا ولا البلاد احاطت بوقائع شلل المؤسسات جراء فتح الدعاوي ضد الرئيس على مصراعيها .