الحكم في عالم اليوم, لم يعد يستند الى إرادة الحاكم المطلقة. فغدت السلطة في الدولة سلطة مؤسسات, نابعة من كيان الدولة الدستوري. فمن يتولى السلطة يلزم أن يمارسها وفقاً للدستور ولفترة زمنية محددة, وفق النصوص الدستورية والقانونية.
فالحكم في هذا العصر, هو حكم القانون. الا ان التجارب دلت أن ليس ثمة ضمانة لكي تأتي القوانين التي يسنها البرلمان متطابقة والنصوص الدستورية الضامنة للحقوق والحريات. إذ من الممكن الالتفاف على تلك الضمانات في عملية التشريع, وأن مبدأ الفصل بين السلطات لا يشكل بمفرده الضمانة التي حددها الدستور للحريات والحقوق.
وأن هذا الواقع قد أكد ضرورة وجود هيئة قضائية مستقلة قادرة على ممارسة الرقابة على التشريع والفصل في صحة الانتخابات بحيث لا يتعارض ذلك مع أحكام الدستور وذلك من خلال مرجعية واحدة متخصصة في الرقابة على دستورية القوانين وفي النظر في صحة الانتخابات, تضمن من خلال احكامها وقراراتها الابتعاد عن التفسيرات المتضاربة وتضمن وحدة الاجتهاد, لأن قرار هذه المرجعية بعدم دستورية بعدم دستورية قرار ما وبعدم صحة الانتخابات, له قيمة مطلقة, تؤدي الى إخراج القانون نهائياً من المنظومة القانونية وإبطال عملية الانتخابات اللاقانونية.
وهكذا أصبحت المحكمة الاتحادية العليا, الضمانة الدستورية للحقوق والحريات وضمانة لمبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها في إطار الممارسة وأصبح لها دورها الواضح في انتظام أداء المؤسسات الدستورية, وبالتالي انتظام الحياة السياسية وصيانة شرعية السلطة, وفي إرساء دستورية الحكم المؤسسي.
لقد شقت المحكمة الاتحادية العليا طريقها رغم الصعوبات والتحديات, من أجل قضاء دستوري فاعل له من الصلاحيات, ما يمكنه من ممارسة رقابة دستورية فاعلة على القوانين وفرض احترام الدستور, في إطار مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها, ولفتح الباب أمام تداول السلطة سلمياً, والسير على طريق التحول الديمقراطي الفعلي. وهذه قراراتها التي أصدرتها عام 2013, والتي تفضل القاضيان جعفر ناصر حسين وفتحي الجواري لنشرها ــــ مشكورين ــــ وايصالها للقراء والمعنيين بها من دارسين وباحثين والتي تعبر عن حقيقة هذه المحكمة الناصعة, ودورها الرائد في إرساء العدالة الدستورية في العراق الجديد.
* نقلا عن موقع المحكمة الاتحادية
القاضي مدحت المحمود