أحلام يوسف
في احدى المرات أقدم باحثون على اجراء استطلاع لمجموعة من كبار السن. تضمن الاستطلاع أسئلة عدة عن حياتهم الخاصة، وعاداتهم، والمواقف التي مرت بهم واثرت على حياتهم بشكل، او بشكل اخر.
الإجابات كانت مختلفة، كل حسب تجربته الخاصة، الا ان سؤالا واحدا اتفق الكل به على جواب واحد، السؤال كان: ما هو أكثر شيء تندم عليه الان بعد هذا العمر، فكانت الإجابة: اردت ان أقوم بأشياء معينة، وترددت خوفا من عدة أمور تتعلق بي او بأهلي.
استوقفني هذا الاستطلاع كثيرا، فانا وغيري من الكثيرين، تراجعنا عن تنفيذ فكرة ما بسبب الخوف، الخوف من الفشل، والخوف من الشماتة بعد الفشل، الخوف من لوم الاهل، وأسباب أخرى كثيرة، وهنا نطرح السؤال على مجموعة من كبار السن ومن كلا الجنسين، ما الامر الذي كانوا بودهم ان يقوموا به ومنعهم الخوف عنه؟
بدأنا مع “علوية عبد محمد”، بعمر السابعة والسبعين فقالت: للأسف عندما تقدم زوجي المرحوم لخطبتي، وافق الاهل من دون ان يسألوني رأيي، لكن جدي آنذاك كان متنورا اكثر حتى من شباب اليوم، فاخبرني انه سيقف الى جانبي في حال كنت رافضة للزواج، وشجعني ان اقرر بعيدا عن تأثير الاهل، لكني ترددت كثيرا بسبب الخوف من ان أكون سببا بمشكلة بينه وبين اهلي، برغم تأكيده لي ان الأمر بسيط، لكني خفت من والدي رحمه الله، فقد كان شديدا، فبقيت الوم نفسي على ذلك لأني لم اعش شبابي بالصورة التي كنت اتمناها، ولم اعش يوما واحدا بسعادة الا مع اولادي.
الخوف من ان نكون سببا بخلاف ينشب بين احبتنا قد يسبب مشكلات أكبر من المفترض، والذي يقع بعلم الغيب، زهير عدنان ضابط متقاعد بالثمانينيات من عمره، أخبرنا انه ناقم على نفسه لان الكثير من الاحداث التي كان يمكن ان يعيشها ويستمتع بها فاتته بسبب الخوف من غضب الاهل، وقال:
قضيت عمري كله نادما على ما كان يمكن ان يغير حياتي بأكملها بسبب الخوف، فقد عرض علي احد الأصدقاء وقتها موضوع الهجرة الى أوروبا، في وقت كانت قيمة الدينار العراقي اكبر من الدولار الأميركي، أي كان يمكن ان اؤسس لي مصدر عيش هناك، لكني خفت على امي رحمها الله لأنها كانت متعلقة بنا بشكل مبالغ به، وقد شاهدت موتها “مجازا” بأم عيني عندما أراد اخي الأكبر الهجرة، فلم استطع ان اقتلها ثانية بعد ان تعافت من صدمتها الأولى، فرفضت الموضوع، واليوم ولحد الان اشعر بالندم، لأني لم اكن شجاعا بما يكفي لاستوعب انها يمكن ان تتأثر وتحزن، لكن بالنهاية ستستوعب الامر وتتعافى مرة أخرى. لكني خفت حد الجبن.
الخوف هو ما يكبلنا بالعديد من القيود، نصنعها بأنفسنا فنحد من افكارنا وطموحاتنا، البعض يعد الحياة مقامرة، فلا شيء مضمون، ولا شيء مطلق، فكيف لنا ان نعيش حياتنا بالشكل المطلوب والصحيح ونحن نخاف المغامرة، والاقدام على المجهول الذي يمكن ان يكون لنا فيه خير، ونختم حديثنا بأبيات للشاعر ابي القاسم الشابي يقول فيها:
“أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر
فَلا الأُفْقُ يَحْضُنُ مَيْتَ الطُّيُورِ وَلا النَّحْلُ يَلْثِمُ مَيْتَ الزَّهَــر
بين الإقدام والإحجام خطوة تكلف أحيانا عمرا كاملا
التعليقات مغلقة