عبدالاله بن داودي
في المؤتمر الصحفي الذي عقد في ٢٨ آذار/مارس، رد الرئيس دونالد ترامب على سؤال ما إذا كان ما يزال يريد سحب القوات الأميركية من سوريا قائلاً: « أريد الخروج. أريد أن أعيد جنودنا إلى وطنهم. أريد أن أبدأ بإعادة بناء أمتنا». وفي اجتماع عقده مؤخرًا مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، أوضح ترامب أن الخطة هي الإبقاء على وجود عسكري حتى تقوم القوات بتطهير الجيوب المتبقية من مقاتلي «داعش» وتدريب القوات المحلية لمنع المجموعة من استعادة الزخم داخل الأراضي المحررة.
وفي كلتا الحالتين، فإن قرار ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا «بسرعة كبيرة» يمثّل تحولاً ملموسًا عن سياسة الإدارة السابقة المتمثلة في الإبقاء على وجود القوات الأميركية على الأرض بصفة دائمة. في هذه المرحلة، قد تعتقد الإدارة أن الاستراتيجية المثلى تكمن في عدم وجود واحدة، حيث تتوقف الإجراءات التي تتخذها أو التي تتقاعس عن اتخاذها في سوريا على معالجة الأخطار القصيرة الأجل بدلاً من اتباع نهج طويل الأجل.
ومع ذلك، فقد أعرب عدد من مسؤولي إدارة ترامب علنًا عمّا يساورهم من قلق بشأن الانسحاب المتسرع من سوريا نظرًا لأن المهمة الأساسية، أي هزيمة «داعش»، لم يتم إنجازها بعد. في الواقع، وحتى بعد هزيمة «داعش» رسميًا، فإن الانسحاب سيتيح للتنظيم الإرهابي الفرصة التي يحتاجها لكي يلتقط أنفاسه ويعيد تنظيم صفوفه.
إنّ هزيمة «داعش» هي مجرد انتصار رمزي، والجزء الأصعب يبدأ الآن. ففي الوقت الراهن، لا يشهد تنظيم «الدولة الإسلامية» سوى فترة انتقالية، يجري فيها تحطيم المطامع الإقليمية التي كانت ذات يوم جزءًا من هويته. فالإطاحة برأس مال المجموعة القائم فعليًا ليس سوى جزء واحد من معركة أكبر بكثير لاحتواء المنظمة، لأن الخسائر التي تكبدتها «داعش» في سوريا لم تمنع التنظيم من الاستمرار في إلهام المجندين الجدد. ووفقًا لتقارير عديدة، تشير التقديرات إلى أن هناك نحو ٣ آلاف مقاتل وأكثر من ١٠ آلاف موالٍ ما يزالون نشطين على الأراضي السورية.
وكما يبيّن التاريخ، فإن هذه القوة البشرية هي أكثر من كافية لشن حملة تمرد جديدة في المناطق المحررة الحالية ولاستغلال الانقسامات بين السكان المحليين، التي تفاقمت بسبب الصراع. ويمكن لأي من الجيوب المتبقية أن تنتظر الفرصة الأنسب للظهور مرة أخرى متى خرجت القوات الأميركية، تمامًا كما حصل لدى انسحاب إدارة أوباما من العراق في عام ٢٠١١.
وفى عام 2007، قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتفكيك شبكة القاعدة في العراق عندما أطلقوا أكبر عملية عسكرية منسقة ضد الإرهاب. وهدفت الحملة الأميركية، التي عُرفت باسم «عملية الرعد الخاطف»، إلى طرد «القاعدة» من موطئ قدمها في العراق. وقد أُعلِن عن نجاح الحملة العسكرية عندما صرح مدير وكالة الاستخبارات المركزية مايكل هايدن بأن «القاعدة» على وشك أن تمنى بهزيمة استراتيجية في العراق، زاعمًا أنه لم يبقَ سوى عدد قليل من الجيوب المتفرقة في المنطقة الشمالية في العراق.
استطاعت بقايا «القاعدة» هذه أن تنجو من الهزيمة وأن تعيد تشكيل قواتها وتنظيم صفوفها، والظهور مجددًا كتنظيم «داعش» لأن الظروف كانت مؤاتية أكثر بعد الانسحاب الأميركي عام ٢٠١١ مما كانت عليه في السابق. وقد أدى الانسحاب الأميركي من المنطقة إلى تفاقم التوترات الطائفية في العراق، التي استمرت في زعزعة استقرار البلاد لسنوات وأدت إلى إضعاف الدولة التي كافحت للتصدي للتهديد الجديد المتمثل بتنظيم «داعش».
بينما يسعى تنظيم «داعش» إلى إعادة بناء نفسه والتحضير لخطواته التالية، لا ينبغي أن تضيع الدروس المستفادة من «القاعدة» هدرًا. ففي أثناء تطورها في العراق، استفادت «داعش» من ثلاث ديناميكيات قوية: أولاً، بداية الصراع السوري؛ وثانيًا، المشكلات والمظالم الاجتماعية والاقتصادية التي تمنع السكان المحليين من الوصول إلى الخدمات؛ وثالثًا، التوترات الطائفية التي حرمت بعض الطوائف من شغل المناصب الرئيسة وارتقاء السلالم الاجتماعية. وما يزال كل من سوريا، وبدرجة أقل، العراق يواجه صعوبات في هذه المسائل، وبالتالي يستمران في توفير ظروف ملائمة لأي تمرد محلي جديد. فمن دون دعم الولايات المتحدة، من المرجح أن يتم اجتياح الحلفاء المحليين في حال عودة «داعش»، ما سيجبر ترامب على إعادة نشر القوات الأميركية مرة أخرى في البلاد.
وعلاوة على ذلك، إن إخراج القوات الأميركية من شأنه أن يبعث برسالة سلبية إلى هؤلاء الحلفاء – ولا سيّما للأكراد – مفادها بأن الولايات المتحدة قد تخلت عنهم. من الناحية التاريخية، أدّت الولايات المتحدة دورًا في مساعدة حلفائها عند الحاجة، لكن الانسحاب سيدعو إلى التخلي عن هذا الدور وسيقوض مصداقية أميركا المستقبلية. في المقابل، يمكن لوجود أميركي مستمر أن يضمن تكبيل أيدي «داعش» حتى زوالها. وإضافة إلى ذلك، سيسمح بتعزيز المكاسب الإقليمية وسيساعد في تدعيم قدرة المناطق السورية المحررة من «داعش» على الصمود، والتي هي حاليًا تتسم بالهشاشة.
وبالنظر إلى التداعيات السياسية للصراع السوري والتجارب السابقة مع «القاعدة»، لا يوجد أي مبرر لتكرار الأخطاء نفسها في المنطقة. فإن الإبقاء على الوجود الأمريكي في أجزاء من سوريا هو أكثر من ضروري لتجنب إعادة تأمين الظروف نفسها التي أدت إلى ظهور «داعش». وينبغي على الولايات المتحدة ضمان عدم إهدار الحرب ضد «داعش» من خلال وضع سياسة فعالة لمكافحة الإرهاب، والتي تتطلب مشاركة رفيعة المستوى، وزيادة في الانخراط مع الحلفاء الإقليميين الذين يمكنهم احتواء المناطق المحررة من سيطرة «داعش»، فضلاً عن تأمين حماية للسكان السوريين. وإذا لم يتوفر هذا الدعم، فعلى الأغلب، سيفسح الانسحاب الأميركي من سوريا المجال أمام عودة «داعش».
*منتدى فكرة، مبادرة لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. والآراء التي يطرحها مساهمو المنتدى لا يقرها المعهد بالضرورة، ولا موظفوه ولا مجلس أدارته، ولا مجلس مستشاريه، وإنما تعبر فقط عن آراء أصحابها.