واخيرا وصل مقتدى الصدر الى صناديق الاقتراع وحاز فيها على الاغلبية التي تجعله قويا مقتدرا في فرض رؤيته السياسية لتشكيل الحكومة العراقية المقبلة ..خمسة عشر عاما مارس فيها الصدر شتى الوان التعاطي مع العملية السياسية وعاش فيها في تحول فريد من نوعه ..بدأها رافضا ومقاوما ومحاربا للاحتلال الاميركي ثم مهادنا ثم مشاركا في الانتخابات وممثلا بتياره السياسي في السلطتين التشريعية والتنفيذية ثم محتجا على سياسات الحكومة ورافضا لاداء البرلمان ثم مقاطعا ومعتكفا ثم متظاهرا ثم معتصما وفي كل تلك المحطات بقي الصدر قريبا من النظام السياسي الجديد ومتأثرا بتداعيات العملية السياسية المضطربة وتصاعدت الاتهامات ضد ممثليه من النواب والوزراء بالمشاركة في مظاهر الفساد وواجه هذه الاتهامات بسرعة ونظم محاكمات خاصة صدرت فيها عقوبات الطرد والفصل للكثير من مؤيديه واتباعه وحاول ان يختار طريقا مستقلا ينأى فيه عن التجاذبات الاقليمية والدولية التي تحيط بالمشهد العراقي وتسهم بتحديد اشكال وملامح المواقف السياسية للعراق الجديد وتفرد الصدر من بين الزعماء على الاحتفاظ بنزعته الدينية وتعزيز مكانة والده الروحية بين اوساط جمهوره الشعبوي واتخذهم قاعدة سياسية في كل انتخابات وحرص على ان يكون صوته معبرا عن الطبقات المسحوقة وعلى الصعيد الخارجي سعى الصدر لبناء علاقات مع زعماء دول الجوار العراقي والاقليمي من دون اثارة اي منهم ولم يفرط بالدعم السعودي او القطري او التركي او المصري او الاردني وبقيت علاقة الصدر مع طهران وواشنطن محفوفة بالحذر والترقب ففيما لايخفي الصدر قربه من الجمهورية الاسلامية ورفضه التعاون مع الولايات المتحدة الاميركية واتهامه لها بالتدخل بالشان العراقي ومطالبته لها بالكف عن هذا التدخل يخشى الصدر في الوقت نفسه من مصادرة الايرانيين للارادة العراقية ويريد تحديدا لشكل العلاقة مع ايران ويرفض الانصهار في عوالمها الخفية ودعمها اللامحدود لاحزاب وكيانات وشخصيات سياسية عراقية الذي تبتغي من ورائه تمثيل مصالحها في العراق وتعزيز نفوذها ومع الاعلان عن نتائج الانتخابات الاخيرة يبدو المشهد العراقي هذه المرة مختلفا كثيرا عن الدورات الانتخابية السابقة فثمة مطبخ سياسي جديد يولد في(الحنانة) يريد له الصدر ان يكون مطبخا عراقيا خالصا تحرسه وتشرف عليه قوى عراقية متحالفة معه في حين ان الايرانيين والاميركان مايزالون مصرين على مشاركة العراقيين في اعداد وتهيئة الطبخات داخل مطابخهم الخاصة في سفارتيهما في العاصمة بغداد او في واشنطن وطهران ..السؤال الاهم هو هل تتولى الحنانة في هذه المرحلة العصيبة بمفردها الاعلان عن الحكومة الجديدة وينطلق منها الدخان الابيض ام تصر واشنطن وطهران على اقتسام المهمة وطبع بصماتهما على الورقة الاخيرة .؟؟؟
د. علي شمخي
الحنانة – طهران – واشنطن !
التعليقات مغلقة