ديفيد بولوك*
محمد عبد العزيز*
كان ردّ فعل وسائل الإعلام العربية الأولي متفاوتاً على إعلان أنّ جون بولتون سيحل عما قريب محل ماكماستر كمستشار الأمن القومي الأعلى للرئيس الأميركي ترامب. ووسط الخطابة الإعلامية العربية المستقطبة حالياً، مال التوجه الأخير نحو إتباع نزعات وطنية مختلفة. على سبيل المثال، كان عنوان الموقع الإلكتروني لقناة العربية السعودية: « مخاوف في إيران من بولتون عدو طهران اللدود». كما نشرت جريدة الشرق الأوسط المملوكة للسعودية وذات التوجه القومي التصريحات «الجريئة والمثيرة للجدل « التي أطلقها بولتون حول ضرورة مواجهة كوريا الشمالية، وإيران، وروسيا وحتى الأمم المتحدة. وعلى نقيض ذلك، قدّم الموقع الإلكتروني لقناة الجزيرة القطرية مقاليْن ذويْ تركيز مختلف، الأول بعنوان «بولتون… صقر آخر يكمل دائرة التعصب بإدارة ترامب» والثاني بعنوان «بولتون: مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتي.»
اتصفت الدورات الإخبارية ذات الصلة في وقت سابق من الشهر الماضي بنمط مماثل من الانقسامات بين وسائل الإعلام العربية – إذ كانت وسائل الإعلام القطرية المنتشرة على نطاق واسع سلبية أكثر بنحو عام تجاه السياسة الأميركية وتغيير الموظفين مما كانت عليه وسائل الإعلام الخليجية الأخرى أو المصرية أو الأردنية. فمنذ وقت قصير، فاجأ ترامب العالم مرة جديدة بالإعلان عن إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون واستبداله بمدير وكالة الاستخبارات المركزية الحالي مايك بومبيو، مباشرة بعد أن أعلن الرئيس الأميركي عن أنه سيجتمع بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وجاء تعليق وسائل الإعلام العربية على القضية الكورية مستفيضاً ومتحيزاً إلى حد كبير، إذ لجأت وسائل الإعلام القطرية والممولة من قطر إلى نبرة سلبية حادة، بينما عدّت معظم وسائل الإعلام الأخرى الإقالة انتصاراً للمعسكر العربي المعادي لقطر ولإيران.
علّقت ايضاً وسائل الإعلام العربية على إقالة وزير الخارجية ريكس تيلرسون. فرحّب البعض بهذه الخطوة، ولاسيما دول «الرباعية العربية» (أي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين) التي قاطعت قطر، في حين عارضها البعض الآخر، على الرغم من أن كلا المعسكرين عدّها علامةً على إدارة أميركية أكثر تشددًا. كما شدّدت غالبية وسائل الإعلام على تأثير هذه الإقالة على قطر وإيران و(بنحو مفاجئ) تركيا.
وفي هذا الصدد، رحّبت صحيفة «الشرق الأوسط» بهذا الخبر، مشيرةً إلى «انحراف» تيلرسون عن سياسات البيت الأبيض فيما يخص الدول العربية، وخصوصًا الشأن الإيراني. فعلى سبيل المثال، لم تدعم وزارة الخارجية الاميركية حتى الآن المعارضة الإيرانية، في الوقت الذي أعلن فيه ترامب دعمه لها. ومن ناحية أخرى، يتمتع المرشح مايك بومبيو بخبرة متعمقة في قضايا عالمية كهذه بصفته المدير الحالي لــ»وكالة المخابرات المركزية» الاميركية. وفي الصحيفة عينها، أعرب الكاتب السعودي البارز والمدير السابق لقناة العربية عبد الرحمن الراشد عن أمله بأن يردع وزير الخارجية الجديد قطر عن تمويل الجماعات الإرهابية وتهديد أمن المنطقة.
أمّا معظم وسائل الإعلام الأخرى التابعة للرباعية العربية فقد صنّفت قطر وإيران على أنهما الخاسرتان في هذا القرار. وأكّدت صحيفة «العرب»، التي تتخذ من لندن مقرًا لها، أن إدارة ولاية تيلرسون تغافلت عن علاقات قطر مع المنظمات الإرهابية المدرجة في قائمة الولايات المتحدة. وقد زار تيلرسون الخليج مرتين في العام الماضي وعمل على تقويض الوساطة التي قادها أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح. وبعد زياراته، أصبحت الأزمة أكثر تعقيدًا حيث استمرت الدوحة في ادعاء براءتها. وقد وصفت صحيفة «الأهرام» المصرية شبه الرسمية قرار ترامب بإقالة تيلرسون بأنه قرار ينسجم مع معظم مصالح الدول العربية – باستثناء قطر التي فقدت مؤيدًا في الإدارة الاميركية لـ «إرهاب» «تنظيم الحمدين» (التابع لـ “الشيخ الوالد» حمد) ومعارضًا للمقاطعة العربية الرباعية ضد قطر.
أما في ما يتعلق بإيران، فعلّقت صحيفة «الراي» الكويتية المستقلة أن إيران ترى في إقالة تيلرسون وتعيين بومبيو إشارةً إلى إصرار الولايات المتحدة على الانسحاب من الاتفاق النووي.
ومن جهة أخرى، أشارت صحيفة «القدس»، الموالية لقطر ومقرها لندن إن إقالة ريكس تيلرسون وتعيين مايك بومبيو، المعروف بنزعته المناهضة لإيران وكوريا الشمالية، يدلّان على أن إدارة ترامب تقوم بتصعيد من وتيرة موقفها المتطرف. وعدت صحيفة «الجزيرة» القطرية أن هذا الأمر يعكس حالةً من الارتباك المزمن في إدارة ترامب ورغبة الرئيس الاميركي في إزاحة آخر «العقلاء» من إدارته وتمكين «الصقور» ذوي الخلفيات العسكرية لإحداث تغييرات حقيقية في السياسة الخارجية. ثمة إجماع مدهش في شتى التعليقات التي صدرت عن كلا المعسكرين العربيين، وهو اعتبار أن تركيا ستفقد الآن بعض الدعم الاميركي. فأكدت صحيفة «العرب» أن رحيل تيلرسون سيخيب آمال تركيا، كون تيلرسون «يتفهم» جنوح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتحييد مؤسسات الدولة، في الوقت الذي يعارض فيه بومبيو تحييد أردوغان للجيش التركي، ما يضعف التزام أنقرة تجاه حلف الناتو. وفي هذا السياق، أشارت الصحيفة إلى تصريح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو بأن بلاده تعتزم مواصلة علاقتها مع واشنطن على أساس التفاهم مع وزير الخارجية الاميركي الجديد، لكن عليه أن يتعلم أن «يحترم أنقرة». ووفقًا لصحيفة «الوطن» القطرية، تدرك أنقرة خير الإدراك أن بومبيو يؤمن بضرورة اتخاذ سياساتٍ أكثر تشددًا تجاه تركيا، ولا سيما تلك المتعلقة بالعملية العسكرية العابرة للحدود التي تشنها تركيا في محافظة عفرين السورية.
وفي مفاجأة أخرى مؤخرًا، صدم الرئيس الاميركي دونالد ترامب العالم كله عندما أعلن عن موافقته على مقابلة الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون. وفى هذا الصدد، قامت غالبية وسائل الإعلام العربية بإعمام الأخبار من دون تعليق إضافي.
وفي هذا السياق، شددت صحيفة «الدستور» الأردنية المستقلة على أن إيران تدرك أنّ ما ينطبق على كوريا الشمالية لا ينطبق عليها إلّا جزئياً. ومن وجهة نظر واشنطن، ثمة سببان يميزان إيران عن كوريا الشمالية فيما يخص المسألة النووية. السبب الأول يتمثّل بكون كوريا الشمالية قوةً نوويةً حاليةً تمتلك قنبلةً ذريةً وأخرى هيدروجينية، وتمتلك صواريخ بعيدة المدى. وعلى الرغم من تطوير إيران لبرنامج الصواريخ البالستية، لم تنتج حتى الآن مثل هذا السلاح، ومن المفترض أن يكون امتلاكها محظورًا وفقًا للبروباغندا الدينية التي تقوم بها الجمهورية الإسلامية. أمّا السبب الثاني فهو أنّ كوريا الشمالية بعيدة جدًا عن إسرائيل ولا تحمل أجندةً معادية لها، غير أنّ قدرات إيران العسكرية تعد محوريةً وتهددّ الأمن الإسرائيلي.
وعدّت بعض وسائل الإعلام العربية على غرار صحيفة «اليوم السابع» شبه المستقلة أن هذه الخطوة درس مهم للقادة العرب: «لا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة». وتوقعت الصحيفة أن كيم لن يتخلى عن ترسانته النووية الحالية ولا عن صواريخه بما أنها قادته إلى التفاوض مع أكبر قوة في العالم وساعدته في حشد شعب كوريا الشمالية والحفاظ على تلاحمه. ومع ذلك، قد تعرض واشنطن المساعدة الاقتصادية ورفع العقوبات مقابل وقف التجارب النووية وتجارب إطلاق القذائف التي تجريها بيونغ يانغ، وفتح صفحة جديدة فيما يخص العلاقة بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. وفي هذا السياق، عدّت صحيفة «الوطن» القطرية المستقلة أنّ القمة المرتقبة تمتثل لقواعد السياسة، وذلك لأن دروس التاريخ تفيد بأن لا حل لأي نزاع من دون حوار، والحروب ليست سوى مرحلة من أجل الجلوس على طاولة الحوار.
وأيّدت صحيفة «البيان» الإماراتية هذه القمة بوصفها خطوةً جيدة، لكنها حذرت من «قوى الشر» التي قد تفسد هذه المبادرة. وتشمل هذه القوى بحسب الصحيفة المؤسسات المالية الكبرى التي تمول الإتجار بالأسلحة. فإذا أوقفت كوريا الشمالية برنامجها النووي، فإن دول شرق آسيا والمحيط الهادئ ستتوقف عن الحصول على بعض أنظمة الدفاع. وبالمثل، إذا تم كبح إيران، ستكفّ الدول المجاورة لها عن الشروع في إبرام صفقات أسلحة جديدة.
ورأت وسائل إعلام عربية أخرى أنّ القمة قد تفشل لأن كيم لن يتخلى عن قوته النووية بهذه السهولة. فنصحت صحيفة «الشرق الأوسط» الممولة من المملكة السعودية والتي تتخذ من لندن مقرًا لها الرئيس الاميركي ترامب بالتعلم من رحلة مادلين أولبرايت الفاشلة إلى بيونغ يانغ في عام 2000. فلا ينوي كيم جونغ أون التخلي عن ترسانته النووية. هو ببساطة يعمل على كسب الوقت ليس إلّا. وعوضًا عن ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تناضل من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية في كوريا الشمالية.
* ديفيد بولوك زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على الحراك السياسي في بلدان الشرق الأوسط، ومحمد
*عبد العزيز محرر في منتدى فكرة ومسؤول برامج سابق في مؤسسة فريدوم هاوس.