سلام مكي
نالت المرأة مكانة خاصة في الدستور العراقي الدائم، من خلال التأكيد على المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، فالمادة14 نصت على ان العراقيين متساوون أمام القانون من دون تمييز بسبب الجنس او الدين او العرق. فهذه المادة تحصن مبدأ المساواة، وتمكن المرأة من الطعن بأي قانون او قرار او تعليمات، تخالف مبدأ المساواة التي نص عليها الدستور. كما منح الدستور حق الكوتا النسوية التي فرض بموجبها نمح نسبة محددة للنساء في الانتخابات البرلمانية والمحلية، في محاولة منه لمنح المرأة تمثيلا واسعا في السلطة، لتتمكن من ممارسة دورها الحقيقي في المشاركة في العملية السياسية، ولكن للأسف، نجد ان الكوتا، لم تسهم بخلق تيار نسوي قيادي، قادر على الوقوف مع الرجل وتأدية الدور المناسب المرسوم لها. بالمقابل، نجد ان هنالك نصوصا قانونية تخالف مبدأ المساواة، شرعت قبل عقود طويلة، ومازالت نافذة لليوم، ولم يتم الطعن بها، لا من قبل المنظمات التي تدعي انها تناصر قضية المرأة ولا من قبل المرأة نفسها التي تمس تلك النصوص حقوقها ومكانتها الاجتماعية والقانونية، وتخالف المادة14 من الدستور، حين ميزت بين الرجل والمرأة. ومن تلك القوانين، قانون العقوبات الذي نص في المادة 41 ف2 التي تنص: لا جريمة اذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى القانون.. ويعد استعمالا للحق: تأديب الزوج لزوجته وتأديب الآباء والمعلمين ومن في حكمهم الأولاد القصر في حدود ما هو مقرر شرعا او عرفا او قانونا.. فهذه المادة، وللأسف مازالت نافذة ولم يطعن بها، برغم مرور اكثر من عقد على إقرار الدستور. وهو أمر يمثل تقصيرا واضحا من المنظمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني ومن المرأة نفسها. حيث ساهمت هذه المادة، بإيجاد عذر قانوني للزوج، ليتمكن من خلاله من ضرب زوجته، والادعاء فيما بعد بأن القانون يجيز له ذلك. فكان الأولى بالمشرع الا يجعل المرأة بمستوى الأطفال والتلاميذ، وان يمنح الزوج حقا يتنافى من إنسانية ومكانة المرأة. كما نصت المادة377 على مخالفة واضحة حين ميزت بين الزوج الذي يرتكب الزنا في منزل الزوجية وبين المرأة حيث نصت: يعاقب بالحبس الزوجة الزانية من زنا بها ويفترض علم الجاني بقيام الزوجية ما لم يثبت من جانبه انه لم يكن بمقدوره بحال، العلم بها. ويعاقب بالعقوبة ذاتها، الزوج اذا زنا في منزل الزوجية. فالقانون هنا، عاقب الزوجة في حال زنت وبشكل مطلق، في حال انه لم يعاقب الزوج الا اذا كان قد زنا في منزل الزوجية، فلو زنا في مكان آخر، وكانت المرأة التي زنا معها غير متزوجة، وليست قاصرا ولم يخدعها بالزواج، فإن فعله يعد مباحا قانونا. وبرغم ان قانون الأحوال الشخصية عدّ خيانة الزوج الآخر أمرا يستوجب التفريق، الا انه بإمكان الزوج ان يدفع بأنه لم يرتكب فعلا يجرمه القانون.
اما بخصوص قانون الأحوال الشخصية، فإنه قانون يتضمن الكثير من الخروقات التي تمس مبدأ المساواة. إضافة الى تضمنه نصوصا، تضر بالمرأة وتقيد حريتها، ومنها المادة43 التي قيدت المرأة التي فقد زوجها ان تبقى على ذمته مدة اربع سنوات، ومن بعدها يحق لها طلب التفريق. حيث ان الكثير من حالات الفقدان، تتم في ظروف أمنية خطرة، يغلب معها موت الزوج، الا ان التمسك بنص القانون من قبل المحكمة، يؤدي الى بقاء المرأة حبيسة ذلك الزوج طوال تلك المدة، وفي حال عدم استيفاء إجراءات الشكلية في اعلان الفقدان في الصحف، فإن على الزوجة ان تنتظر مدة أخرى لحين مرور اربع سنوات تبدأ من تاريخ النشر في الصحيفة.
ان منظومة القوانين التي تتعلق بالمرأة تحتاج الى مراجعة شاملة، من قبل السلطة التشريعية، وهذا لن يتم الا من خلال وجود جماعات ضغط تمارس على البرلمان، تضغط باتجاه تعديل القوانين التي تخرق مبدأ المساواة بين الرجل وبين المرأة والقوانين التي تمثل عائقا امام المرأة لتحقيق حريتها وتقدمها الاجتماعي والوظيفي والسياسي. الدستور برغم الهفوات التي تتضمنها بعض نصوصه الا انه اسهم الى حد كبير بوضع أسس كفيلة بمعالجة القصور في التشريعات، وحيث يمكن لأي جهة تريد الطعن بنص قانوني مخالف للدستور عبر مخالفته لمبدأ المساواة ان تستند الى الدستور في طلبها نقض ذلك النص، لكن مجرد الحديث عبر وسائل الاعلام والشكوى من القوانين وعدم اتخاذ أي اجراء جدي وحقيقي، لا يساعد المرأة على الحصول على قوانين تساويها مع الرجل في كل المجالات، تكافؤ الفرص، العمل السياسي، الوظيفي، الاقتصادي. ما تم ذكره من نصوص قانونية ودستورية ليس هو كل شيء، فالمنظومة القانونية العراقية بما تحتويه من نصوص هائلة وكبيرة، تمتد الى عمر الدولة العراقية نفسها، تتضمن الكثير من الأحكام والقوانين والتعليمات التي تخص المرأة وتمس حقوقها. وبمناسبة عيد المرأة لابد من وقفة حقيقية جادة لمراجعة شاملة للقوانين التي تخص المرأة.