(مواجهة المقاتلين الأجانب والدعاية الجهادية)
يتناول هذا الكتاب تعريف الإرهاب وقضية المقاتلين الأجانب، وتنقلهم ما بين دول أوروبا ـ وسوريا والعراق، لغرض القتال إلى جانب داعش هناك أو تنفيذ عمليات إرهابية في دول أوروبا والغرب.
وناقش الكاتب درجة تهديد المقاتلين الأجانب إلى الأمن القومي لدول أوروبا بشتى درجات خطورة المقاتلين العائدين، مع تفصيلات وإحصائيات عن أعدادهم وخلفياتهم وطرائق التجنيد وأسباب التجنيد ودول تواجدهم بنحو بيانات واستقصاء وبوابات العبور إلى سوريا والعراق عبر تركيا.
ولأهمية الكتاب تنشر ” الصباح الجديد” فصولاً منه.
الحلقة 39
جاسم محمد*
مؤثرات الغسيل الدماغي
تبقى الصور التي تنشرها التنظيمات على الانترنيت لها دورا رئيسيا في كسب مقاتلي جدد الى هذه التنظيمات بالاضافة الى استخدام السمعيات وفديوهات من شأنها تحدث تاثيرا على الجمهور من الشباب. الحشد الاعلامي الى التنظيمات “الجهادية” تدار بنحو مركزي من قبل القيادة وتنزل الى القيادات التنفيذية لاختيار نوع الخبر والحدث. بات معروفا ان الشبكة العنكبوتية بدئت تستغل جيدا من قبل التنظيمات القاعدية بنشر دعايتها وكذلك بتقديم الدروس الخاصة بالالتحاق” بالجهاد” وصنع المتفجرات وطرق الحماية الشخصية والتخلص من المراقبة. ورغم ذلك اي وجود تعليمات مركزية للنشر والدعاية على المواقع “الجهادية” لتحقيق الحشد لاعلامي، فقد اصبح الارهاب في المنطقة والعالم غير مركزيا وربما يمثل داعش اقصى حالات الحشد الاعلامي “الجهادي” مدعوم بالفتاوى “الجهادية” .وفي تقرير لصحيفة “الغارديان” حول عملية غسل دماغ في قضية تناولت الصحيفة قضية “ثلاث فتيات تراوح اعمارهن بين 15 و16 سنة من شرق لندن غادرن منازلهن وذهبن الى سوريا للانضمام الى داعش خلال شهر فبراير 2015 نقلا عن الباحثة “نوشين إقبال: “(…) ” لقد تعرضت الفتيات الجهاديات لعملية غسل دماغ ايديولوجية خطرة… بالنسبة الى هؤلاء المراهقات تبدو الحرب التي يخوضها داعش أشبه بحرب هوليوودية ومن المعروف ان المراهقين يحبون العنف ولكن ما يصدم هو انجذاب الشابات اليه”. اما المواقع “الجهادية” فهي توظف تصوير عملياتها الانتحارية من اجل استقطاب اكثر الى الشباب مما يؤدي الى انضمام اعداد جديدة الى تنظيماتها و نشر صور مروعة ترتكبها السلطة من اجل تحقيق حشد “جهادي” طائفي اوسع. لقد ذكرت التحقيقلت وكذلك ما يصدر على شبكة الانترنيت على لسان المقاتلين العرب والاجانب، بأن الصور التي تبثها التنظيمات “الجهادية” على مواقعها كانت الهام وسبب رئيسي للانضمام الى القتال. “الجهاديون” خير من يوظف لغة الخطاب الديني وان يطرحوا انفسهم مجموعة دفاع عن المسلميين او عن احد مكوناته ويوظف الخطاب “الجهادي” الايات القرانية والاحاديث لخدمة منهجه والتي ممكن اختصارها تحت عنوان الغسل الايدلوجي.
لكن الصحفي البريطاني المخضرم “كوكبيرن” من صحيفة The Independent ربما رأيه جاء مخالفا لذلك فهو يقول: “بالنظر إلى عينة مختارة من الصور والملصقات التي وضعت على الإنترنت، فهي لا تصور العنف أو الطائفية، ولكنها تظهر حرفية في الطريقة التي تم إنتاجها ،هذه الجماعات استخدامت التكنولوجيا ووظفتها لصالحها. بات معروفا إن هذه الجماعة اصبحت ممتهنة الى الاعلام وهو انزلاق خطيرعند بعض الفنيين العاملين في الانتاج التلفزيوني والسينمائي، فهنالك اجماع ان مواد انتاج التنظيم الاعلامية تدار من قبل مهندسيين محترفيين. فالصور التي يظهرها هذا التنظيم الى بعض الشباب وهم مدججين بالاسلحة والحماية، دفعت اعداد من الشباب لالتحاق بالتنظيم واكثر من ذلك ان عوائل بعض الشباب دفعت باولادها للانضمام للتنظيم من اجل ذلك وتحقيق الصورة التي يروج لها التنظيم في اعلامه “الجهادي”. وتتعمق الصورة عن اولياء الامور عندما يفسر انضمام الشباب للتنظيم لتنفيذ “شرع الله والجهاد”. المناطق التركية عند الحدود السورية شهدت تدفق اعداد كبيرة من شباب صغار السن انعكاسا الى هذه الصور، التنظيم احيانا يتعمد ارسال الشباب الى زيارة اصدقائهم وعوائلهم هناك بعد اتمامهم الدورات التدريبية وحصولهم على دور ميداني قتالي مع داعش. هذه الجماعات تظهر في صورة مخالفة تماما الى صورتها الحقيقة قبل مغادرتها قراها والالتحاق بتنظيم داعش، وتبقى التغيرات البدنية وتحسن الحالة المادية عليهم، صورة جديدة يستخدما التنظيم بكسب متطوعين جدد.
غسيل المخ قبل الزج في القتال
وتثير اعترافات الشاب السعودي الملقب بأبي الوليد عبد الرحمن التميمي( 18 عاما) والتي تناولها موقع “السكينة” عن الدكتور محمد بن عبدالله العوي في اصدارها يوم 15 سبتمبر 2015 أسئلة مُرة عن أسباب ودواعي وطريقة تأثر الشبان بالأفكار الإرهابية وأساليب جذبهم وطرائق التواصل. يقول عبد الرحمن في اعترافته بأنه تم استدراجه “بتزيين الأفكار الإرهابية وإلباسها لبوس الدفاع عن الإسلام والجهاد في سبيل الله والدفاع عن ديار المسلمين ومحاربة الكفار والانتقام من الطوائف التي تعادي المسلمين”. ومنح تنظيم داعش عبد الرحمن لقبا جديدا لا يعرف إلا به وهو “أبو الوليد الجزراوي” وسحب منه جوازه وأخفي أو أحرق ليضمن التنظيم استحالة عودته إلى بلاده. ثم أدخل في دورات فكرية وعسكرية هي بمثابة غسيل مخ يشرف عليها قيادات داعش، ليتخرج بعد شهرين وهو لا يعترف بأن له ماضيا ينتسب له، بل حاضر تكفيري يؤمن ويزهو به هكذا تم غسيل مخه ثم زج به إلى جبهة القتال. فألتنظيم يجرد مقاتليه الجدد من تأريخهم وعقيدتهم وافكارهم وحتى اسمائهم، ويتقمص شخصية جديدة تكون اله تنفذ سياسة داعش دون ان يشعر بذلك.
توظيف حالة الزهو
عند التنظيم
أستتغل تنظيم داعش حالة التوسع العسكري في العراق وسوريا في اعقاب اجتياح مدينة الموصل في يونيو 2014 وحالة الزهو في عمليات التجنيد والغسيل الدماعي، محاولة منه ليغرس فكرة اقامة “الدولة الاسلامية” تجمع شتات هذه الجماعت الاسلاموية و”الجهادية” التي كانت تقبع في الكهوف وجبال (تورا بورا) واالصحاري. اليوم هذه الجماعات بدئت تعيش داخل قصورمترفة وتقوم الحفلات والمناسبات وتردد اهازيجها “مصورا الى مقاتليه والى انصاره حالة مخالفة لصورة القاعدة وطالبان في افغانستان ووزيرستان. لكن “توماس شميدينغير” أستاذ العلوم السياسية في جامعة فيينا ربما يخالف ذلك بقوله، إنه قبل استيلاء داعش على مدينة الموصل في العراق في يونيو 2014، كانت الفصائل الأخرى في سوريا تجتذب مجندين أوروبيين وقد نجح التنظيم بأستقطاب الجماعات حتى اصبحت تمثل حالة هجرة منظمة من دول متعددة. تبدو هذه الخطة ناجحة حتى الآن، فآليات الاستقطاب والتجنيد التي تعتمدها داعش لتعزيز مواردها البشرية ما تزال فعالة في كسب مقاتليين جدد.
يقول “اميل نخلة” المحلل السابق في وكالة الاستخبارات الأميركية “سي آي إية” ان الفكرة الغالبة هي أن النجاح ينتج نجاحا وتعني فكرة انتصاراتهم السريعة واستيلائهم على الأراضي وأسلحة وقواعد أنهم لا يحتاجون إلى بذل جهد كبير في التجنيد. أضاف “نخلة” أنه على مدار عقدين، تحدث أسامة بن لادن عن إعادة إقامة الخلافة، لكنه لم يدع مطلقا أنه حقق ذلك. ويضيف نخلة قائلا :”ينظر الشباب إلى داعش ويقولون يا إلهي إنهم يقيمونها! أي اقامة “الدولة الاسلامية” ويشاهدون مقاطع فيديو يظهر فيها مقاتلو داعش على ظهور دبابات ويرون أن داعش لديه المال.” هذه صورة الزهو التي يريد ان يروج لها تنظيم ابو بكر البغدادي التي جلبت له الكثير من المقاتليين وعلى شكل مجموعات وعوائل من اسيا الوسطى ودول اخرى على غرار الهجرة المنظمة.
الحوكمة عند داعش
وبالاضافة الى حالة الزهو حاول التنظيم ان يظهر قدرته في ادارة”دولته” فأظهر نوعا من الحوكمة في أدارة شؤون المناطق والمدن التي وقعت تحت سيطرته واتخذ خطوات باصدار العملات ولوحة السيارات وغيرها من الاجرائات ليعكس حسن ادارته وتقديم الخدمات.
واظهرت شهادات من داخل المناطق التي تقع تحت سيطرة داعش بإن التنظيم عندما يسيطر على اي منطقة جديدة يتعامل مع الجميع بلطف ولم يجبر أحد على الانضمام إليه فهي محاولة لكسب الجمهور. وكان عناصر التنظيم يتنقلون من منزل إلى آخر يسألون عما يحتاجون، ويعرضون عليهم خدمات، مثل التعليم وحرص التنظيم على تقديم المحاضرات والندوات بعد الصلوات، وكان أغلب المواضيع التي تُناقش فيها عن” كيفية تطوير المجتمع” واستخدموا القرآن والأحاديث النبوية. أستغل داعش حالة القهر عند المجتمعات خاصة في سوريا والعراق ووظف حالة الظلم وسوء السياسات ليضع نفسه هو المخلص لهذه الجماعات، بعض المقاتليين الذين انضموا الى التنظيم وجدوا ضالتهم للثار من الانظمة او للثأر لانفسهم من حالات قهر تعرضوا لها من قبل افراد وجماعات متسلطة في مجتمعاتهم.
إن سياسة الدعاية”الجهادية” في داعش تقوم على اساس قوة التنظيم العسكرية والتوسع وحالة الزهو التي يعيشها الشباب داخل التنظيم، اكثر من المعرفة ب “الفكر الجهادي” وهو نقطة الضعف عن تنظيم داعش ومأخذ مقارنة بتنظيم القاعدة ومنظريها من الفكر السلفي “الجهادي”. فما تقوم عليه اسس الغسيل الدماغي عند داعش هي نصوص مقتبسة وضعيفة يتم تفسيرها وفق مايخدم التنظيم، اي ان هذا التنظيم بات يعتمد على اقتباس نصوص دينية البعض منها من القران الكريم والبعض الاخر من احاديث الصحابة المفسرة حسب طريقته دون وجود نتاج فكري لهذه الجماعة وهذا يعني ان عمليات غسيل الدماغ لتنظيم الجماعة تفتقر الى الظهير “الفكري” الذي ممكن ان تستند عليه الة التنظيم الدعائية.
* باحث عراقي، مقيم في المانيا، متخصص في مكافحة الإرهاب والاستخبارات
و الكتاب صادر عن دار نشر وتوزيع المكتب العربي للمعارف – القاهرة