سايمون هندرسون
تفيد التقارير بأن الهدوء بدأ يخيم على العاصمة اليمنية بعد عدة أيام من القتال العنيف بين المتمردين الحوثيين الموالين لإيران والقوات التي كانت تدعم علي عبد الله صالح، حيث أن هذا الرئيس الأوحد للبلاد والذي أصبح لاحقاً حليفاً للمتمردين كان يحاول على ما يبدو الوصول إلى منطقة آمنة حين تعرض موكبه لكمين في الرابع من كانون الأول/ديسمبر. وإذ كان موته يعزز على المدى القصير مركز الحوثيين، الذين تمتد سيطرتهم على الجزء الجبلي الشمالي الغربي من البلاد حيث يعيش غالبية اليمنيين، فقد يفتح المجال أمام اتخاذ خطوة دولية لإنقاذ اليمن قبل أن تصبح دولةً منهارة وجرحاً متقرحاً في الخصام السعودي- الإيراني.
لقد مرت ثلاثة أعوام تقريباً منذ أن أطلق التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات هجومه العسكري على أبناء القبائل الحوثيين الذين كانوا قد زحفوا من معاقلهم الشمالية نحو صنعاء وأرغموا الرئيس عبد ربه منصور هادي على الفرار إلى مدينة عدن المرفئية الجنوبية ومن بعدها إلى الرياض. وبينما نجحت القوات الإماراتية في النهاية في إرغام الحوثيين على التراجع إلى الجنوب، جاء نجاحهم هذا على حساب ضرر جانبي، ألا وهو السماح ببقاء ملاذات تنظيم «القاعدة». ومع ذلك، فإن الأمر الأقل جدارةً بالثناء هو أداء القوات السعودية التي لم تتمكن من التقدم بعيداً عن الحدود الشمالية لليمن، وبدلاً من ذلك سمحت للقوات الحوثية بتحويل مساحة من الأراضي السعودية إلى أرض غير صالحة للسكن إلى حدٍّ كبير. وكانت القوات الجوية السعودية نشطة جداً مع تلقيها بعض الدعم اللوجستي من الولايات المتحدة، ولكن استهدافها للمناطق الحضرية تعرض لانتقادات واسعة النطاق بسبب الإصابات العديدة في صفوف المدنيين.
ويكمن التحدي الذي تواجهه السياسة الأمريكية في أن أساليبها والنتائج المرجوة منها لا تتوافق تماماً مع الأهداف السعودية والإماراتية، والتي هي نفسها لا تسير على الإيقاع نفسه. وتشعر واشنطن بالقلق من تفشي الجوع ووباء الكوليرا وما يرتبط بهما من مشاكل في المنطقة الخاضعة لسيطرة الحوثيين والتي تحاصرها القوات السعودية والإماراتية. وفي السادس من كانون الأول/ ديسمبر، دعا الرئيس ترامب الرياض إلى «السماح بوصول الطعام والوقود والمياه والأدوية بشكل تام إلى الشعب اليمني الذي هو بأمس الحاجة إليها، مع ضرورة أن يتم ذلك على الفور لدواعٍ إنسانية.» وجاء هذا التصريح بعد يوم من اجتماع مسؤول رفيع في «الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية» مع نظيره السعودي من أجل مناقشة تعزيز أعمال الإغاثة لليمن. وبينما تلقي الرياض باللوم على الحوثيين على الوضع الإنساني، إلّا أنّ الرأي العام الدولي لا يشاركها وجهة النظر هذه، ولا البيت الأبيض على ما يبدو، ويعزى ذلك جزئياً إلى أن الحصار يواصل منع دخول الإمدادات الغذائية التجارية إلى بلدٍ يعتمد على الواردات لإطعام الأغلبية الساحقة من مواطنيه البالغ عددهم 28 مليون نسمة.
ومن المرجح أن الرياض تأمل أن تُنتج الحرب في المرحلة الأخيرة دولةً يمنيةً خاليةً من المشاكل وموالية للسعودية، بينما يبدو أن الإماراتيين يفضلون العودة إلى الانقسام الذي كانت تشهده البلاد بين شمالها وجنوبها قبل توحيدها في عام 1990. بيد ان الرياض وأبوظبي تتفقان على ما يبدو على أمر واحد، وهو انعدام ثقتهما بالمستقبل السياسي الطويل المدى للرئيس هادي على الرغم من الدعم العلني الذي تقدمانه له.
ولا يزال عدم التيقن قائماً أيضاً فيما يتعلق بالدعم الإيراني للحوثيين. وحتى الآن، اقتصرت طهران علناً على التصريحات الداعمة للمتمردين، ولكن العديد من المراقبين يشعرون بالقلق لأن العدد القليل من شحنات الأسلحة الإيرانية التي تم اعتراضها هي مجرد غيض من فيض، وأن التجهيزات التي تصلهم أكبر بكثير. ومما يبعث على القلق بشكل خاص هو الاشتباه بنشر إيران فرقاً استشارية متخصصة صغيرة لربما تكون قد ساعدت الحوثيين في تنفيذ الهجمات عالية المستوى على غرار الضربات الصاروخية التي وُجّهت من الساحل ضد السفن الحربية الأمريكية في العام الماضي، والعملية التي نُفّذت بواسطة زورق سريع بدون قبطان وألحقت أضراراً بفرقاطة سعودية في وقت سابق من هذا العام، ناهيك عن الضربة بصاروخ بعيد المدى التي تعرض لها مطار الرياض الدولي الشهر الماضي، مع الإشارة إلى أن هذه الحادثة الأخيرة أثارت مخاوف كبيرة في السعودية (وفي واشنطن، على الأرجح) بسبب ما أفيد عن إخفاق منظومات الدفاع الصاروخي من نوع «باتريوت» المزودة من قبل الولايات المتحدة. أضف إلى ذلك أن الحوثيين يدّعون إطلاق صاروخ جوال على موقع بناء محطة نووية إماراتية، مع أن ظروف تلك الحادثة لا تزال غير واضحة.
ولطالما اعتُبر إبعاد الحوثيين عن صالح سبيلاً للحد من التصعيد وتشجيع الحل السياسي. وبالفعل، عندما تواصل صالح أخيراً مع الرياض الأسبوع الماضي، استتبع ذلك الجولة الأخيرة من القتال. ولكن بعد انشقاقه الذي افتقر إلى التخطيط السليم ومن ثم موته، ظهر الحوثيون فعلياً بأنهم المنتصرون الواضحون على المدى القصير. وحتى أي تحالف مع صالح الماكر والمتقلب لكان أفضل من هذه النتيجة. وربما كانت القمة المنعقدة هذا الأسبوع لـ «مجلس التعاون الخليجي» المنقسم منتدىً يتم من خلاله التوصل إلى توافق إقليمي بشأن الخطوات المقبلة في اليمن، ولكن باستثناء دولة الكويت المستضيفة للقمة، فإن الدولة الوحيدة الممثلة برئيسها في هذه القمة هي قطر التي تعتبرها كل من السعودية والإمارات دولةً متمردة.
وأياً كان المسار الذي يختاره التحالف، يبدو أن المزيد من إراقة الدماء لا مفر منه، وربما بوتيرة أكبر بعد. فلليمن تاريخٌ سياسي سافر. ففي ستينيات القرن المنصرم، حاولت كل من بريطانيا في الجنوب ومصر في الشمال أن تحكما سيطرتهما على تلك البلاد ولكنهما فشلتا. وجاء حكم صالح الذي استمر ثلاثة عقود بعد اغتيال سلفه بحقيبة مفخخة – وهذا الأخير كان قد ساعده للوصول إلى السلطة بقتل أخصامه بالرشاشات خلال اجتماع لهم. ولذلك فإن هذه الخلفية والفوضى الراهنة تعنيان أن أي تدخل إضافي ينطوي على مخاطر كبيرة.
*سايمون هندرسون هو زميل «بيكر» ومدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن